على وقع بعض التحركات الخجولة التي يشهدها الشارع ال​لبنان​ي، يرتفع عدد القوى المطالبة بالتغيير الحكومي، على أساس أن المطلوب الإعتماد على التكنوقراط لمواجهة المرحلة الراهنة، بما تتضمنه من أزمات على المستوى الإقتصادي، لكن المفارقة أن بعض هذه القوى تتواجد على طاولة ​مجلس الوزراء​، وترفض الخروج من ​الحكومة​ في حال عدم الإتفاق المسبق على البديل.

من حيث المبدأ، وحده حزب "الكتائب" قد يبدو متصالحاً مع نفسه في المواقف من حكومة ​سعد الحريري​ الثالثة، فهو منذ البداية رفض المشاركة فيها، وقرر البقاء في صفوف المعارضة بالرغم من ضعف موقفها، لكن في المقابل هناك أحزاب وشخصيات أخرى تحتاج إلى مراجعة حساباتها، لا سيما أنها قاتلت للدخول إلى جنة السلطة التنفيذية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحكومة الحالية تحظى بدعم من 3 قوى أساسية فقط، هي "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل" و"​حزب الله​"، الأول يعتبرها الأداة الأساسية لعهد ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، بينما الثاني يربط وجودها بمستقبل رئيس الحكومة وسط الإنتقادات التي توجه له على مختلف الصعد، في حين أن الثالث يرى أن الضغوط التي تتعرض لها هدفها إحراجه بالدرجة الأولى.

وتلفت هذه المصادر إلى أن القوى الثلاثة ممتعضة من الضغوط التي تتعرض لها الحكومة من قوى مشاركة فيها، لا سيما حزب "القوات اللبنانية"، وتستغرب إصرارها على العرقلة في حين أن التضامن الوزاري يفترض بها أن تكون من المدافعين عنها والساعين إلى تحسين أدائها، وترى أن المطلوب أن يحسم المعارضون من الداخل موقفهم، لا أن يبقوا على ​سياسة​ "رجل في البور وأخرى في الفلاحة".

في الجهة المقابلة، لا تتفق القوى المعارضة على موقف واحد من الواقع الحكومي، هنا يبرز موقف رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، الذي لا يبتعد عن موقف رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" ​وليد جنبلاط​، حيث يعتبر أن المنطق والمصلحة يفرضان الحفاظ على الحكومة الحالية، نظراً لصعوبة تشكيل أخرى بديلة بحال إستقالتها، وبالتالي التركيز على دعمها بعملها ومحاولاتها إنقاذ الوضع الحالي.

من وجهة نظر مصادر مطلعة على موقف الرجلين، الإستقالة ستؤدي إلى مأزق كبير جداً أضخم من الذي تمر فيه حالياً، وهي ستكون مغامرة سياسية غير محسوبة النتائج، خصوصاً أن تأليف الحكومات في لبنان لم يكن يوماً من الأمور السهلة بسبب التوازنات السياسية والطائفية، ما يعني أن الحكومة الموجودة تشكل الأمل الوحيد للنهوض، لكن في المقابل هذا لا يلغي الملاحظات الكثيرة على أدائها، لا سيما بالنسبة إلى فريقي ​التسوية الرئاسية​، أي "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل".

في هذا الإطار، يستمر حزب "القوات اللبنانية" في التغريد وحيداً، بين المعارضة والموالاة، من دون حسم موقفه بشكل نهائي، فهو يتبنى موقف المعارضة، لناحية المطالبة بتشكيل حكومة إختصاصيين، لكنه في المقابل يرفض مغادرة الحكومة الحالية، الأمر الذي تضعه مصادر نيابية في كتلة "​الجمهورية القوية​" في سياق الإصلاح من الداخل، وترى أنها تنجح في تحقيق إنجازات على هذا الصعيد، خصوصاً على مستوى الوزارات التي يتواجد فيها وزراء من الحزب، وتضيف: "وجودنا يزعجهم ويتمنون التخلص منا، لكن لن نقدم لهم خدمة مجانية طالما نحن لدينا القدرة على وقف صفقاتهم".

وفي حين يبرز أيضاً موقف بعض أعضاء تكتل "لبنان القوي" من التغيير الحكومي، لا سيما النائب ​شامل روكز​ الذي يتبنى مطلب حكومة التكنوقراط، قد يكون من المنطقي السؤال عن موقف "​اللقاء التشاوري​"، أي النواب ​السنة​ المستقلين، الذين سعوا إلى فرض تمثيلهم في الحكومة بأي ثمن، لكن بعضهم، خصوصاً رئيس تيار "الكرامة" النائب ​فيصل كرامي​، هو في موقع المعارضة منذ اليوم الأول، وهو أقرب إلى موقف "القوات" منه إلى موقف "القوات"، ما يدفع إلى السؤال عن موقف اللقاء الحقيقي.

في المحصلة، قد يكون من الأفضل أن يحسم كل فريق سياسي خياره، البقاء في الحكومة أو الذهاب إلى المعارضة، على أن يكون ذلك على أساس واضحة، بدل السعي إلى الإستفادة من الأمرين معاً، خصوصاً أن المعارضة القوية ستكون أمراً مفيداً وفق جميع المعايير.