في ظروف الضائقة المالية الشديدة للدولة ال​لبنان​ية، والحاجات الكثيرة للمواطنين اللبنانيين في معظم المناطق اللبنانية، يتحوّل الحديث عن أيّ مشروع إنمائي إلى سَعي صعب، ينظر إليه كنوع من الأنانية المناطقية، أو كمحاولة لنيل نصيب من الخدمات التي يحاول كل نائب تأمينها لأبناء منطقته، ويفترض الجميع أنّ السبب والحجة يتأسسان على معادلات تقليدية معلومة، محورها الإنماء المتوازن والحاجات المتراكمة بفِعل الإهمال، والظروف الضاغطة بقسوة على المواطنين بينما الحقيقة أنّ سعينا الذي لن يتوقف لتمييز مشروع ​مستشفى​ ​دير القمر​ الحكومي عن سواه من المشاريع التنموية، ليس نوعاً من البحث عن ميزات تفاضلية تهدف الى منحه الأولوية على مشاريع مشابهة لمناطق أخرى تستحقها بكل تأكيد، بل هدفنا هو خلق قناعة لدى الجميع بأنّ هذا المشروع مصلحة وطنية لبنانية جامعة، وهو أقرب ما يكون للمشروع الوطني من المشروع الإنمائي.

عندما ننظر إلى خريطة لبنان ونسيج مكوّناته الموَزّع في هذه الجغرافيا، ونتطلّع بعين التاريخ لحركة هذه الجغرافيا والديموغرافيا السكانية التعددية فيها، سيجذبنا النظر إلى ​الشوف​ بسرعة، كنموذج مُصغّر عن لبنان في جمع مكوّناته، ومختبر لمشروع العيش المشترك فيه، وتوازناته الدقيقة التي لا تشبه منطقة اخرى فيها لبنان، كما يشبهه ويختصره الشوف، كما يقول تاريخه الأشَد حيوية وتدفقاً بالأحداث، بحيث يمكن القول إلى حد كبير إنّ ​تاريخ لبنان​ السياسي يكتب ويقرأ في الشوف، وإنّ تاريخ الحرب والسلم في لبنان، وتاريخ الاستقرار والاهتزاز، وتثبيت الاطمئنان أو زرع القلق، كلها تُختصر في الشوف بالنيابة عن لبنان كله. ويشكّل توسّط الشوف للخارطة، كما موقعه المحوري في ولادة لبنان الكبير الذي ندخل مئوية ولادته، أسباب تكفي للقول إن مشروع ​الدولة اللبنانية​ كدولة رعاية لمواطنيها، ومرجع لهم، ومصدر تمسكهم بلبنان والبقاء فيه، يَتقرّر في الشوف.

تلقّى الشوف في سنوات الحرب نتائج تُعادل ما تلقّته سائر المناطق اللبنانية مجتمعة، ولم تنجح سنوات ما بعد الحرب في لَملمة الجراحات واستعادة ​الحياة​ إلى طبيعتها، فقد شَكّل غياب مكونات سياسية وطائفية عن مشروع الدولة سنوات طوالاً، سبباً في إحجام شرائح واسعة من الشوفيين عن النظر بعين الثقة لإجرءات ترسيخ السلم الأهلي، وأدّت سنوات الابتعاد عن المناطق الأصلية للسكن، بفِعل ضعف الخدمات وغياب موارد العيش وتَغيّر أنواع المِهَن والقطاعات القادرة على توفير مُستلزمات العيش، وضعف الرعاية الحكومية للحاجات الأساسية للمواطنين أو غيابها، إلى المخاطرة بجَعل الشوف، وعبره لبنان، كائناً اجتماعياً مُشوّهاً، يشكّل العيش الواحد فيه سياحة صيفية، أو عطلة «ويك إند».

لأننا نريد للبنان تعافياً غير منقوص، ونثق بالإرادة السياسية الصادقة لجميع القيادات، باعتبار المصالحة الوطنية شأناً مقدساً يعلو على ​السياسة​. ولأننا ندرك أنّ الحاجات الماسّة للناس ترتبط، في ظل الضائقة التي يمر فيها لبنان و​اللبنانيون​، بدرجة جهوزية الدولة لتأمين الحد الأدنى من الرعاية والحضور، وليس من حد أدنى ضروري بمثل ما هي ​الصحة​. لذلك، نضع قضية مستشفى دير القمر الحكومي كأولوية وطنية ننتظر التعامل معها على هذا المستوى، فليس من ​العدل​ أن ننجح في العودة السياسية و​الأمن​ية لأبناء الشوف، أو ننجح في العودة العمرانية والإقتصادية لاحقاً، لكننا نواجه ​النزوح​ الصحي، لأنّ مرضانا يفارقون الحياة وهم ينتظرون وصول ​سيارة​ إسعاف تنقلهم إلى أقرب مستشفى، ومن حقهم اختيار السكن في منطقة يشعرون فيها بالأمان الصحي، لأنّ وحدة الشوف وثبات سكانه قضية أمن وطني، يصير الأمن الصحي في الشوف مشروعاً وطنياً، ومحوره إنجاز يبدأ بشَبك الأيادي للسير بمشروع مستشفى دير القمر الحكومي.