كما كل سنة منذ استشهادك أقف هنا أمام نصب الجندي المجهول، كي أضع عليه وردة، عادة لازمتني من قبل ان نكتشف جثمانك وننقله الى مدافن العائلة، لقد جعلت من هذا النصب مدفنا خاصا بك ولكل من استشهد من اجل ​لبنان​، وفي اية بقعة منه.

سنة بعد سنة ادرك كم كنت صادقاً انت وكل الشهداء بحمل القضية التي آمنتم بها وتعلقتم باسرارها وخصائصها حتى ذقتم كأس الاستشهاد ولكن اريد اليوم ان اصارحك بل من واجبي ان أقول لك وقد انضمت اليك الشهيدة الصامتة امنا، وادرك بانها كعادتها لن تقول لك كل الحقيقة اذ ستكتفي بتقبيلك، والبكاء على صدرك... وتقول لك اننا بخير... والحقيقة الصارخة ان الخير بعيد عنا وعن وطن الارز بُعد السماء عن الارض...

أقف في وسط الشارع اتأمل بوجوه المارة فأخاف منها وعليها ... أخاف منها لأنها تبدلت من مبتسمة الى متجهمة... من مبادرة الى متلقية... واخاف عليها كونها ادركت انها محكومة بمجموعة من الفاسدين والمنافقين الغوغائيين الذين لا هم الا الظهور الاعلامي وجمع ​المال​ والقاء اللوم على الآخرين بمن فيهم انتم... وتحميلنا نحن الشهداء الاحياء كمسؤولية البقاء في لبنان.

أقف هنا، انتظر ​طائرة​ تقلني الى بلاد يُكرم فيها الشهيد ولا يُستغل، والتكريم يكون ببناء وطن، وتطوير مؤسساته وتأمين عدالة تحمي من طمع التاجر ومن استبداد الحاكم.

أقف على الرصيف، اتذكر وجوه المسؤولين الذين يتصدرون اليوم الصفوف الامامية ويمدحون استشهادكم، ومعظهم نادوا يوماً بصلبكم وايّدوا المحتل مهما كان اسمه على جيشهم الوطني، هؤلاء يصلبوننا كل يوم برغيف خبزنا وبيئتنا وثرواتنا واحلامنا.

أقف امام نصب الجندي المجهول، ربما للمرة الاخيرة قبل الانتقال الى بلاد الله الواسعة... وقلبي مع كل زوجة ترمّلت وولد تيتّم يعيش اليوم في المهجر المحلي أو المهجر الخارجي القريب والبعيد... بعدما سرقوا منه الأمل، وانت تدرك بان الامل هو سبب كل بقاء وصمود حتى الاستشهاد.

اقف هنا يائسا ولكن في راسي تتردد جملة واحدة: "ان حبة ​القمح​ ان لم تقع في الارض تبقى مفردة" فادرك مجددا بان امة انجبت شهداء لا يمكن ان تموت هكذا وعلى ايدي هؤلاء وان الظلام سينجلي يوما... وان نواة مقاومة شريفة تتكون في قلب كل من قرر ان يصمد هنا... هؤلاء سيكملون المسيرة وربما من اجلهم ومعهم سأضع ​السنة​ المقبلة باقتين من الورد هنا وفوق على ضريحك حيث تستريح.