المَوقف الذي أطلقه وزير الخارجية والمُغتربين ​جبران باسيل​ من على منبر جامعة الدُول العربيّة، لجهة مُناشدة الدول العربيّة إعادة ​سوريا​ إلى مقعدها في الجامعة في ظلّ الهُجوم التركي عليها، فتَح الباب واسعًا أمام مسألة جدليّة مُستمرّة في ​لبنان​ منذ سنوات عدّة. فما هي خلفيّات هذا الموقف، وهل من إرتدادات عربيّة على لبنان بنتيجته، وهل من تداعيات داخليّة في ظلّ رفض بعض القوى السياسيّة للتطبيع مع سوريا، وما هي أهميّة موقف "تيّار المُستقبل" من هذه المسألة؟.

على الرغم من أنّ وزير الخارجيّة اللبنانيّة تحدّث عن إنتفاء أيّ مصلحة للبنان من وراء هذا الطلب، ووضعه في خانة المَوقف المَبدئي والسيادي والوطني والعروبي، لجهة الوقوف إلى جانب أي دولة عربيّة ضُدّ أي إعتداء عليها خاصة متى ما كان هذا الإعتداء من جانب دولة أجنبيّة، فإنّ الخلفيّة الأساسيّة لهذا الموقف تصبّ في خانة تحضير الأجواء لزيارة سوريا، بهدف بحث ملفّ النازحين بالدرجة الأولى، إضافة إلى تماهي رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" أكثر فأكثر مع مواقف المُحور المؤيّد للمقاومة، لدواع وأهداف سياسيّة داخليّة.

بالنسبة إلى الموقف العربي من دعوة وزير الخارجيّة اللبناني، فإنّ الجزائر طالبت بالأمر نفسه، ووزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم ليس بعيدًا عن هذا الطلب، شأنه في ذلك شأن بعض الدول العربيّة الأخرى التي تنتظر توسّع المُطالبة العربيّة بعودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، للمُجاهرة بتأييدها لهذه المسألة. في المُقابل، إنّ كلاً من السعودية والإمارات ومصر، يُصنّفون ضُد الهجوم التركي على سوريا، لكن ليس دفاعًا عن النظام السُوري، بل من خلفيّة مُحاربة كل ما له صلة-بشكل أو بآخر، بجماعة "الإخوان المُسلمين" وبفكرهم السياسي وبمن يقف وراءهم، إلخ. بعكس موقف قطر التي حاولت التبرير للهجوم التركي على سوريا ومثلها فعل الصُومال. وفي خلاصة الموقف العربي الذي تمخّض عن الإجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، إنّ مسار إنتقاد تركيا والتلويح بإجراءات ضُدّها، على المُستويات السياسيّة والإقتصاديّة والسياحيّة، مُنفصل تمامًا عن مسار تطبيع العلاقات مع النظام السُوري، حيث لا تزال أغلبيّة من الدول العربيّة والخليجيّة ضُدّ هذا التطبيع، في إنتظار تبلور صيغة الحلّ النهائي للأزمة السُوريّة. وبالتالي، لا تأثير مُهمّ للموقف اللبناني الذي عبّر عنه وزير خارجيّة لبنان في العاصمة المصريّة، على القرار العربيّ النهائيّ، ولا إرتدادات سلبيّة مُباشرة على لبنان أيضًا، غير تلك المُتخذة ضدّه أصلاً.

وفي ما خصّ التداعيات الداخليّة، فإنّه في مُقابل تأييد واسع لدعوة الوزير باسيل من قبل قوى "8 آذار"، سارع حزب "القوات اللبنانيّة" إلى الإعتراض حيث وصف موقف باسيل بالفئوي والحزبي، لينضمّ "الحزب التقدّمي الإشتراكي" إلى المُعترضين، قبل أن يصدر بيان عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يؤكّد إلتزام لبنان مُقتضيات الإجماع العربي في ما يتعلّق بالأزمة السوريّة، والبيان الوزاري، لكن من دون التعرّض للوزير باسيل بشكل مُباشر. إشارة إلى أنّ تباين الآراء بشأن دعوة وزير الخارجيّة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، يُضاف إلى السجال الذي كان حصل داخل الحُكومة بالنسبة إلى موضوع إستفادة لبنان من النقل البرّي عبر معبر "القادم-البوكمال" على الحُدود السوريّة العراقيّة، وخُصوصًا إلى الموضوع الأهم المُتمثّل بإعادة اللاجئين السوريّين إلى ديارهم، من خلال التواصل مع المسؤولين السُوريّين. والإنقسام اللبناني بين قوى ترفض التطبيع مع النظام السُوري، وقوى أخرى تُطالب به-أقلّه لمصلحة لبنان، ليس بجديد، وهو عبارة عن كباش مفتوح منذ مدّة. والأكيد أنّ موقف كل من "القوات" و"الإشتراكي" المُعارض للتطبيع مع النظام السُوري، غير كاف لوقف هذا التوجّه، والذي يبدو أنّه تعزّز أكثر داخليًا غداة إجتماع الوزير باسيل إلى مع أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله. وبالتالي، إنّ الموقف الحاسم الذي سيُحدّد مسار التطبيع اللبناني مع النظام السُوري هو موقف "تيّار المُستقبل"، وتحديدًا مع رئيس الحكومة. وهذا الأخير لا يستطيع إعطاء "الضوء الأخضر" لهذا الأمر، وهو الذي لا يزال إسمه على لائحة المطلوبين بتهم إرهابيّة ضُمن لائحة سوريّة تضمّ العديد من القيادات اللبنانيّة، بينهم رئيس التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات سمير جعجع، إلخ. لكنّ الحريري يستطيع غضّ الطرف عن أي تحرّك لبناني في هذا الإتجاه من جانب رئاسة الجُمهوريّة أو وزير الخارجيّة أو أي وفد وزاري، أو حتى الإكتفاء بإعتراضات إعلاميّة شكليّة لا تُقدّم ولا تؤخّر في مسار الأمور، إذا كان راغبًا فعليًا بالسماح بحُصول هذا التقارب أو إذا كان غير قادر على عرقلته بعد اليوم، علمًا أنّ رئيس الحُكومة لا يستطيع المُجاهرة بهذا الموقف على الإطلاق، حفاظًا على ما تبقى من علاقاته مع دول الخليج، وحفاظًا على ما تبقّى له من ثقة لدى أنصاره وضُمن بيئته بشأن التمسّك بالصلاحيّات المُعطاة له في الدُستور.

وليس بسرّ أنّ الفريق اللبناني الذي يدفع إلى التطبيع، يُشكّل أكثريّة عدديّة على طاولة مجلس الوزراء وداخل مجلس النوّاب. لكنّ هذا الفريقلا يخشى من الإنقسام الداخلي فحسب، في حال التسليم جدلاً أنّ "المُستقبل" سيتصدّى لقرار التطبيع بنفس حجم تصدّي كل من "القوات" و"الإشتراكي"، لكنّه يخشى أيضًا من إرتدادات هذا القرار على لبنان، من الدول العربيّة، ولا سيّما الخليجيّة التي ترفض هذا الأمر في المرحلة الراهنة، وتربطه بالتسوية السياسيّة النهائيّة في سوريا، وبمصير الرئيس السُوري بشّار الأسد.

في الختام، إنّ مَوضوع تطبيع العلاقات مع سوريا، والذي يتضمّن مصالح لبنانيّة مُختلفة مرتبطة بمسائل مهمّة عدّة، مثل عودة النازحين السوريّين، والنقل البرّي عبر الأراضي السُوريّة، والمُشاركة في إعادة إعمار سوريا، إلخ. لن يتحوّل من مسألة خلافيّة إلى توافقيّة في المدى المنظور. لكنّ حجم مُعارضة رئيس الحُكومة لهذه المسألة، هي التي ستُحدّد المدى الذي ستبلغه مُحاولات الفريق الآخر للتطبيع!.