توحي جميع المواقف السياسية، في الأسابيع الماضية، بأن البلاد عادت إلى المرحلة السياسيّة السابقة، لكن ليس بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، بل ان لكل فريق مطالبه وأسبابه الخاصة، لكن العنوان الأبرز هو العودة إلى الشارع، على قاعدة إستخدام الرصيد الشعبي لإثبات القوّة والحضور وصرف ذلك في "الكباش" القائم، الأمر الذي تُطرح حوله علامات الإستفهام.

في هذا الإطار، قد يفهم تحرك قوى المعارضة في الشارع أو بعض القطاعات التي لديها مطالب خاصة، لكن أن يقوم بذلك أفرقاء أساسيون في ​مجلس الوزراء​ أمر يستدعي التوقف عنده مطولاً، لا سيما أنه يعني بشكل أو بآخر ​العجز​ على مستوى مؤسسات الدولة.

في هذا السياق، هناك 3 أفرقاء قرروا العودة إلى الشارع بشكل حاسم: أولهم "​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، الذي نظّم يوم أمس مسيرة من ​الكولا​ إلى وسط المدينة، تحت عنوان الدفاع عن الحريّات في وجه التوقيفات التي تقوم بها الأجهزة، وتحديداً ​أمن الدولة​، لمناصرين له يهاجمون ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ والعهد، ثانيهم "​التيار الوطني الحر​"، الذي طلب رئيسه وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ من رئيس الجمهورية، عندما يشعر بأنه لم يعد قادراً على التحمل، الضرب بيده على الطاولة، ليتولى التيار قلبها، ثالثهم "​حزب الله​" الذي يدرس خيار النزول إلى الشارع لمواجهة حملة الضغوط عليه، لا سيما من قبل بعض ​المصارف​، إلا أن مصادر سياسيّة مطّلعة، عبر "​النشرة​"، تؤكّد أن هذه اللعبة لن تتوقف عند الأفرقاء الثلاثة، مع وجود آخرين يدرسون الأمر، تحت عناوين بالجملة، في سياق الضغط لتحقيق مطالبهم.

وتشير هذه المصادر إلى أن الهدف الأساسي من هذه التحركات هو ممارسة عمليّات ضغط منظّمة، نظراً إلى أن الجميع يدرك أنها لن تقود إلى تحقيق المطالب أو قلب الطاولة بأي شكل من الأشكال، لا سيما أن اللبنانيين خاضوا هذه التجربة في السنوات السابقة، الأمر الذي دفعهم إلى العودة إلى طاولة المفاوضات للبحث عن إبرام تسويات، وبالتالي المصير هو نفسه في المرحلة المقبلة، لا سيما أن جميع الأفرقاء لديهم شارعهم الخاص يستطيعون تحريكه بأي وقت.

من وجهة نظر المصادر نفسها، هذا الواقع يعود بالدرجة الأولى إلى اللحظة الإقليمية التي تمر بها المنطقة، حيث تتبدل المعطيات بشكل شبه يومي من دون أن ينجح أي محور في حسم الأمور لصالحه، في المقابل يبدو أن الأفق اللبناني مسدوداً بسبب تركيبة النظام القائم، فلا الدعوة إلى التغيير الحكومي يمكن أن تنهي ​الأزمة​، ولا الدعوة إلى إنتخابات نيابية مبكرة يمكن أن تفرز توازنات جديدة، وبالتالي من المنطقي السؤال عن المسار الذي قد تسلكه الأحداث في ​المستقبل​ القريب.

على هذا الصعيد، ترى المصادر السياسية المطلعة أن الأزمة اللبنانية الحقيقية تكمن بأن الأوضاع لم تعد تحمل أي تأجيل، لا على المستوى الإقتصادي ولا على المستوى الإجتماعي، في حين أن الضغوط التي تمارس، خصوصاً من جانب ​الولايات المتحدة الأميركية​، تزداد يوماً بعد آخر، وبالتالي من المفترض أن يتم الحسم في كيفية التعامل مع مختلف الملفات العالقة، لا سيما ​ملف النازحين السوريين​، الذي يشكل العبء الأول الذي يتطلب حلاً سريعاً.

وتوضح هذه المصادر أن معظم الأفرقاء كان يظنون أن من الممكن تعميم معادلة ربط النزاع، إلى حين إنجاز التسوية الكبرى على مستوى المنطقة، إلا أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفنهم، فهذه التسوية مؤجلة، بالحد الأدنى، إلى ما بعد ​الإنتخابات الرئاسية الأميركية​، التي ستقرر مصير الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​، وخلال الفترة الفاصلة المنطقة ستكون على موعد مع العديد من التطورات، لن يكون أخرها الإنسحاب الأميركي من ​سوريا​ أو الرسائل المتبادلة التي تشكل ناقلات ​النفط​ عنوانها الأبرز.

في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن الساحة اللبنانية، بحال لم يتم التوافق على بعض الملفات على المستوى الداخلي، ستكون على موعد مع موجة واسعة من التحركات في الشارع، لكنها تؤكد أنها ستبقى ضمن الإطار الذي يمنع الوصول إلى مرحلة الإنهيار الشامل، وتضيف: "بعض رسائل الشارع ستكون إقليمية أكثر مما هي محلية".