باتت ​الحرائق​ في لبنان كل عام، بمثابة تقليد سنوي لا يمكن القفز فوقه، مهما كانت نتائجه عسيرة وصعبة وتداعياته كارثيّة بالنسبة الى الانسان والاقتصاد والبيئة. ولكن ما شهده اللبنانيون في اليومين الماضيين، فاق كل تصور ومنطق، وتخطى العادي في مشهد حرائق تقضي على مساحات شاسعة من الاراضي اللبنانية في كل المناطق، ناهيك عن تهديد حياة مواطنين وصلت النيران الى مشارف منازلهم.

صور عديدة تم تناقلها وكل واحدة منها تسابق الاخرى في اظهار فظاعة ما حدث، الا ان المشهد الاكثر شناعة كان ذلك الذي عمد فيه مكافحو الحرائق من دفاع مدني واطفاء الى التعامل مع مدّ النيران بمعدات بدائيّة تكاد لا تكفي لمواجهة حريق متواضع في احد الاحياء السكنية. وعلى غرار ما نعاني منه كل مرة، يبدأ المسؤولون في القاء اللوم على بعض، ليس على خلفية التعاطف مع الناس ومع الوطن، بل على خلفيّة الكيديّة السياسيّة التي لا تقدّم ولا تؤخّر في هذه الحالة.

لا يجب البحث عن احد لالقاء اللوم عليه، فلا العهد الحالي مسؤول لوحده، ولا الحكومة الحالية مسؤولة لوحدها، ولا مجلس النواب الحالي مسؤول لوحده، بل المسؤولية هي على عاتق الجميع، كل وفق صلاحياته، ولا يجب نسيان ان الطاقم السياسي برمّته موجود منذ عقود من الزمن انما عبر اشخاص يتغيّرون بين الفينة والاخرى، فيما اللاعبون الاساسيون (اي رؤساء الاحزاب والتيارات) هم انفسهم. وبغض النظر عما اذا كانت الحرائق مفتعلة او طبيعية (مع ان التساؤلات كبيرة وكثيرة حول "الصدفة" التي جعلت هذه النيران تشتعل في كل المناطق اللبنانية بشكل متتال، وبهذه الفداحة)، يبقى الواقع الاليم اننا لا نملك وسيلة لمواجهة الكوارث الطبيعيّة، فيما اكتفت لجنة هيئة الكوارث الطبيعية بالاعلان عن طلب مساعدة اضافية من اليونان لتأمين طائرات مخصصة لمكافخة الحرائق! ومع التسليم المطلق بأن التعاون بين الدول عند حصول كوارث طبيعية، امر منطقي ومطلوب ومهم، الا انه من غير المنطقي الا تجتمع في لبنان هيئات ادارة الكوارث (مركزياً وفرعياً) الا بعد وقوع الكارثة، والبحث في كيفية التعاطي معها. الم يكن من الواجب عقد اجتماعات متتالية، واجراء مسح شامل لمعرفة ما يملكه لبنان من امكانات لمواجهة اي كارثة طبيعية قد يتعرض لها من حرائق او هزات ارضية او انهيارات جبلية... عندها، كان استفاق المسؤولون من قبل على وجود طائرات "سيكورسكي" القابعة على ارض المطار دون حراك منذ سنوات، فكانوا عمدوا الى اصلاحها ربما او الى مقايضتها او استبدالها بطائرات صالحة يمكن الاعتماد عليها والقيام بصيانتها على المدى الطويل، ولما كنا بحاجة الى الاستعانة بالمساعدة القبرصية او اليونانية او التركية او غيرها من الدول، علماً ان المساعدة اتت لتسجيل موقف سياسي داخلي واقليمي، والا فما الدافع لطلب كل هذا العدد من الطائرات فيما لا يحتاج لبنان فعلياً الا الى اربع طائرات كأقصى حدّ نظراً الى مساحته الصغيرة والى تضاؤل عدد الاشجار والغابات فيه، ولماذا التنويع في اعتماد البلدان التي ستوفّر هذه الطائرات طالما ان دولة واحدة قادرة على ذلك.

وفي حال كانت الحرائق مفتعلة، فيجب علينا للاسف، ان نتوقع تكرار المأساة كل سنة، لان الاجهزة الامنية والقضاء عاجزان على الاقتصاص من الفاعلين، وهو ما يشجع غيرهم على القيام بالمثل دون اي خشية من نيل العقاب الملائم الرادع، في ظل لامبالاة واضحة، فيما الحل سهل جداً ويمكن الوصول اليه خلال ساعات معدودة بفعل قدرات الاجهزة الامنية التي يعترف الجميع بكفاءتها، وبت القضاء بهذه القضايا بالسرعة اللازمة وبالعقوبة الاقصى، فيرتعد عندها الفاعلون ويرتدع من يحاول القيام بالمثل.

والى ذلك الحين، سيبقى لبنان يشتعل بنار الفساد التي لا يمكن لاي دولة اطفاؤها اياً كان عدد الطائرات التي سترسلها.