لفت رئيس الحكومات السابقين ​نجيب ميقاتي​، ​فؤاد السنيورة​ و​تمام سلام​، إلى أنّ "الأوضاع الحرجة الّتي تمرّ بها المنطقة العربية بشكل عام، والأوضاع الدقيقة والحسّاسة الّتي يمرّ بها ​لبنان​ وعلى وجه الخصوص من النواحي السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، تستدعي التعاطي بالكثير من التبصّر والحكمة مقرونة بالمبادرات الإصلاحيّة الجديّة"، مركّزين على أنّ "متطلّبات الحفاظ على الاستقرار النقدي وتحقيق النمو الاقتصادي، تستوجب قرارات شجاعة وجديّة لاستعادة الثقة، وإخراج البلاد من هذا الجو السياسي المحتقن، والتصدّي للمصاعب والمشكلات المتفاقمة".

وأوضحوا في بيان، عقب اجتماعهم، أنّه "استهولهم ما وصلت إليه الحال السياسيّة والخطاب السياسي من تردٍ وتوحّش لا يقيم وزنًا لمصالح الوطن والمواطنين. إذ لا يجوز أن تُدار مصالح الدولة من فوق منّصات المزايدة. ولا يجوز لمسؤول ولا ينبغي له أن تزدوج شخصيّته وأن يُمارِس التحريض من جهة، فيما هو جزء أساس من منظومة الدولة"، مشدّدين على أنّه "لا يجوز لوزير أو رئيس تيار أن يُحرّض رئيس الجمهورية على الحِنثِ بقسمه في حماية ​الدستور​، وأن يعتبر مناسبة 13 تشرين الأول إعادة الأمور إلى نقطة ما قبل الطائف".

ورأى ميقاتي والسنيورة وسلام أنّ "لبنان لم يعد يتحمّل الأعباء الّتي ترتبها المغامرات السياسيّة والّتي تعبث بالتوازن الدقيق للبنان، في محاولات يائسة للاستفادة من ميزان قوى ظاهر متجاهلة دقّة المعادلة اللبنانية، ولاسيما في ظلّ دقّة الأوضاع العربيّة والإقليميّة والدوليّة الراهنة". وأكّدوا "ضرورة الحفاظ والاحترام الكامل لـ"​اتفاق الطائف​" والدستور المستند إلى الإجماع الوطني، والمرتكّز على التمسّك بسموّ فكرة العيش المشترك، وعلى الاحترام والالتزام بمقرّرات الشرعيّات الوطنيّة والعربيّة والدوليّة".

وبيّنوا أنّ "دستور الطائف شكّل الرافعة التاريخيّة الّتي أوقفت الحرب الداخليّة اللبنانيّة والنزف الأهلي وأدّت إلى ابتكار صيغة التفاهم بين اللبنانيين، والّتي أكّدت على وحدة وعروبة لبنان ونهائيته وعلى أنّ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل". ونوّهوا إلى أنّ "دستور الطائف يجب أن تُدافع عنه كلّ الطوائف، فهو لها كلّها وليس ملكًا لجهة دون آخر".

كما ذكروا أنّ "التركيز على استكمال تطبيق اتفاق الطائف واحترام الدستور، يفتح الآفاق لتطوير آفاق رحبة من أمام جميع اللبنانيين لتعزيز الوئام الوطني بينهم. بينما وفي المقابل، فإنّ تجاوزهما بالممارسة يفتح الباب على مصراعيه للمزيد من الإشكالات والتوترات والتخاصمات ويتسبّب بانقسامات لا يستطيع لبنان ولا اللبنانيين تحمّلها". واستذكروا أنّ "التجارب علَّمت اللبنانيين أنّ الالتزام بالعيش المشترك والدستور وبنظام المصلحة العربية المشتركة هو الّذي جنّب ويجنّب لبنان الويلات ويحميه من التأثيرات السلبيّة، بفعل الصدمات الداخليّة والخارجيّة الكثيرة الّتي تُهدّد استقراره".

وركّز الرؤساء الثلاثة على "ضرورة الحرص والحفاظ على العلاقات العربيّة والدوليّة للبنان، بعيدًا عن القرارات والخطوات الإنفراديّة والاستنفار وإطلاق العنان للممارسات والتصرفات والتصريحات الشعبويّة والطائفيّة والمذهبيّة والحزبيّة". وأفادوا بأنّ "السنوات والشهور الماضية، حفلت بالضغوط على علاقات لبنان العربية، وموقعه في النظام الدولي السياسي والاقتصادي والمالي، وهو ما ليس للبنان ولجميع اللبنانيين أي مصلحة في ذلك. ف​سياسة​ لبنان الخارجية كانت دائمًا تقوم على الالتزام بالإجماع العربي، والالتزام بنظام المصلحة العربية. وكذلك أيضًا كان التزام لبنان الكامل بالقرارات الدولية، والحرص على الابتعاد عن سياسة المحاور، وهو الذي شكّل وما يزال يشكّل حماية للبنان وتعزيزًا لأمنه".

وبيّنوا أنّ "وسط الصعوبات الاقتصاديّة والماليّة الّتي يعاني منها لبنان أشدّ المعاناة، تتزايد الضغوط لحرف الانتباه عما يجب القيام به نحو أمرين: الأول، وهو استهداف ​القطاع المصرفي​، هذا علمًا بأنّ ​الاقتصاد اللبناني​ مثل جميع الاقتصادات في العالم يقوم على أساس التعامل مع ​المصارف​ الّتي يتمّ من خلالها القيام بجميع المعاملات اليومية لجميع المواطنين وفي حفظ ثرواتهم النقدية وفي تسديد النفقات لجميع المواطنين وكذلك في تمويل عمليات الاستيراد واستمرار علاقات لبنان المالية مع الخارج". وأكّدوا أنّ "ذلك ما يتطلّب الحرص على إنشاء العلاقات المصرفيّة مع المراسلين في العالم لتأمين احتياجات لبنان من العملات الصعبة، وبالتالي فإنّ هذا يعني حتمية التزام لبنان بالمعايير الدولية في علاقات مصارفه مع مراسليها في الخارج".

وفسّروا أنّ "الأمر الثاني هو الحؤول دون إقرار الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة والإداريّة الضروريّة الجذريّة لمكافحة الهدر و​الفساد​ وإيجاد الأرضية الملائمة والصالحة للعلاقة والتعاون بين القطاعين العام والخاص لاستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمعَيْن العربي والدولي بمستقبل لبنان واقتصاده وماليته العامة. وكذلك الإسهام في تسهيل السير في مقررات مؤتمر "سيدر" المخصص لمساعدة لبنان على تخطي العديد من أزماته ومآزقه وتمكينه من تعزيز بنيته التحتية واعداده لمواجهة تحديات واستحقاقات المستقبل باقتدار".

إلى ذلك، لفتوا إلى أنّ "هناك إجماعًا لدى اللبنانيين على عودة ​اللاجئين السوريين​ إلى ديارهم سالمين بأسرع وقت ممكن. وذلك يتطلّب توفير الظروف اللازمة لعودتهم". ووجدوا أنّ "الفرصة سانحة الآن مع مناقشة موازنة العام 2020 الّتي يجب أن تشكّل محطّة أساسيّة في الإعداد والتعامل مع مقرّرات "​مؤتمر سيدر​"، لمواجهة المستقبل وما يحمله من صعوبات واستحقاقات ويعد به من فرص يجب الاعداد للاستفادة منها. ان المعالجة الاقتصادية والمالية التي تقوم بها الحكومة بحاجة لاسناد وتكامل في الخطوات والاجراءات من جميع السياسيين لكي تنجح وتتقدم، اذ لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، بل ان الاستقرار والانتظام السياسي سابق وداعم للاستقرار الامني والنمو الاقتصادي".