عايش ​لبنان​ أياما "ناريّة" بامتياز، احترق فيها الشجر والنبات والحجر، وذهب ضحيتها شهيد وجرحى، فكانت ​الحرائق​ شديدة لدرجة لم يشهدها لبنان سابقًا، الأمر الذي تراه منظمة "​غرينبيس​" ناتجا عن تغير المناخ الذي يحمل معه حوادث مناخيّة متطرّفة وحادة، قد تأخذ شكل الحرائق، او ​الفياضانات​ او غيرها من الظواهر الطبيعيّة "القاتلة".

يتحدّث كثيرون عن "غضب" الطبيعة" وانتقامها من ​الانسان​ الذي يسيء اليها ويقتلها، ومن هنا علت أصوات حول ​العالم​ تنادي بضرورة حمايتها وكبح جموح التغيّر المناخي الذي يعتبر السبب الاول والأساسي للحوادث الطبيعيّة التي تحصل في لبنان وكل دول العالم، فأين لبنان من هذا الملف كله؟.

عندما تقع كارثة بيئيّة في لبنان تتحرك الاجهزة المعنيّة بحسب قدراتها التي عادة ما تكون معدومة، وتحاول قدر المستطاع تخفيف الأضرار، ليأتي بعدها دور ​الهيئة العليا للإغاثة​ للمعاينة ودفع التعويضات، وينتهي الأمر. في فياضانات ​البقاع​ هذا ما حصل، وفي الحرائق هذا ما سيحصل، ولعلّ ما حصل بالأيام الماضية كان كفيلا بدق جرس الإنذار للمسؤولين وكشف هشاشة ​الدولة اللبنانية​ في حوادث مشابهة، وهذا ما يجب أن يجد حلّه في قانون تم اقتراحه عام 2001 من قبل الوزير الراحل ​بيار الجميل​ لإنشاء "الجهاز الترقّبي للحوادث"، وتم تطويره عام 2012 ليصبح الإسم المقترح "هيئة إدارة مخاطر الكوارث".

لا يوجد في لبنان خطة طوارىء، ولا هيئة إدارة مخاطر الكوارث"، بعد سقوط المشروع في ​اللجان المشتركة​ لأسباب سياسية وطائفية، ولم يُعلن، ما تنادي به "غرينبيس" منذ سنوات، "حال طوارئ مناخيّة". وفي هذا السياق ترى المسؤولة الاعلاميّة في المنظّمة المذكورة في ​الشرق الاوسط​ وشمال ​افريقيا​ دانيا شرّي أن ازمة التغيّر المناخي هي عالميّة، ولكنها لم تلق الاهتمام المناسب بعد من غالبية الدول ومن ضمنها لبنان، مشيرة في حديث لـ"النشرة" الى أن التحركات لمواكبة هذا التغيّر لا تزال خجولة، بينما تأثيراته حول العالم بدأت تظهر أكثر فأكثر.

وتضيف شرّي: "التغيّر المناخي يؤدّي الى حوادث مناخيّة متطرفة جدا كالحر الشديد، والبرد الشديد، وتكون الحوادث مستغربة وليست كما اعتدنا على رؤيته، الامر الذي يشبه ما نراه في لبنان من حرّ شديد في هذا الوقت من ​السنة​ وما تسبب به من حرائق"، كاشفة أن أسباب ​التغير المناخي​ هو الاستخدام للوقود الاحفوري، أي ​النفط والغاز​، بالإضافة الى كل ما يساعد على زيادة درجات حرارة الارض، ك​المصانع​ الضخمة ووسائل النقل وغيرها.

في لبنان يبدو الوضع أسوأ بكثير، ف​الحكومة​ لم تعر حتى اللحظة اهتماما لمواجهة التغير المناخي، ولم تتطرق مطلقا لإعلان حال الطوارىء المناخية التي تستوجب ليس فقط الإقرار بالتغيّر وخطره، بل اتخاذ الاجراءات المناسبة لتخفيف وطأته، وهذا أمر عالمي، وتحديد كيفية التعاطي مع الكوارث فور حصولها، وهذا أمر داخلي.

تؤكّد شرّي أن الحوادث المناخيّة ستزيد من حدّتها في السنوات المقبلة، وأول ما يجب فعله هو إعداد وإقرار خطة وطنيّة يلتزم الجميع بها، وتحديد مسؤوليّة كل جهاز بعد تجهيزه، ليكون الجميع على استعداد كامل ليس فقط لمعاينة الأضرار بل قراءة المعطيات التي يمكن أن تكون إنذارا قبل حصزل الحادث.

لم تكن "وحدة إدارة مخاطر الكوارث" التي لا تملك صلاحيات ولا إمكانيّات ماديّة وبشريّة، قادرة على لعب هذا الدور، ولن تكون، بل يجب الإسراع بإنشاء هيئة مختصّة في موضوع الكوارث الطبيعيّة، تحلّ مكان الهيئات الكثيرة والمتعددة، لتكون قادرة على القيام بأعمال التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لكل ما يتعلق بحماية اللبنانيين مستقبلا.