كل المؤشرات التي ترافق حراك الحزب "التقدمي الإشتراكي" في لبنان، معطوفة على تغريدات رئيس الحزب ​وليد جنبلاط​، توحي بأن إرباكاً سياسياً يسود في المختارة بشأن المسار الإقليمي ومستجدّات ​سوريا​، في وقت لم يتمكن فيه بعد النائب ​تيمور جنبلاط​ من إمساك زمام المبادرة عند الموحّدين الدروز. يردّد مطّلعون معنيّون بالساحة الدرزية كلاماً مفاده "أن الإرباك السياسي الذي تعيشه المختارة، دفع جنبلاط إلى رفع سقف خطابه السياسي، وتجييش أنصاره للنزول إلى الشارع، ومحاولة إستفزاز وزراء تكتل "لبنان القوي" على طاولة مجلس الوزراء تحت عنوان الإعتراض على موقف وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ حول زيارته المرتقبة الى دمشق". يقول هؤلاء المطّلعون لـ"النشرة" أنّ "جنبلاط يقود وحيداً الحملة ضد إعادة التنسيق مع سوريا، بعدما لمس تراجع رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ لوجود متغيّرات عربية وغربية بشأن دمشق، جعلت ايضاً رئيس حزب القوات اللبنانيّة ​سمير جعجع​ يحيّد نفسه عن الواجهة". وقالت مصادر مطّلعة "أن جنبلاط لم يجد أمامه الاّ تركيا بعدما خذله الأميركيون والخليجيون، ولم يتجاوبوا مع هواجسه"، خصوصاً السعودية التي تسعى لإعادة وصل العلاقات مع النظام السوري، والإمارات التي تحضّر للعب دور في إعادة الإعمار في سوريا، وهي فتحت أبوابها لأحد خصوم جنبلاط الأساسيين درزياً: رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب الذي يزور الإمارات بإستمرار، وقيل أن الإماراتيين قدّموا له إقامة مفتوحة للعب دور بين أبوظبي ودمشق. بينما قلّ إهتمام الروس بجنبلاط، وصار واحداً من مجموعة قوى سياسية درزية لبنانية، بدليل الزيارات المتكرّرة لرئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب ​طلال ارسلان​ الى موسكو. كل ذلك، دفع "الإشتراكيين" الى حدّ صياغة تحالف ضمني مع أنقره عبر منسّق العلاقات بين جنبلاط والأتراك: وزير الصناعة ​وائل ابو فاعور​.

لكن لا يفرض الإرتباط الإشتراكي بالأتراك إرتياحاً تاماً عند جنبلاط، فهو لم يجد سنداً آخر دولياً أو عربياً أو إقليمياً وازناً، رغم معرفة كل الدول المهتمّة بلبنان أن جنبلاط هو الزعيم الاوّل لدروز لبنان، ويحظى بتمثيل شعبي أكبر من أي حزب درزي آخر. لكن المصالح الدولية في سوريا لا تقف على خاطر أو حجم لا جنبلاط ولا غيره في لبنان. وهذا هو سر الإرتباك الجنبلاطي الذي تجلّى برفع سقف اعتراضه لبنانياً على موقف باسيل بشأن العلاقة مع سوريا.

لم يستطع "​حزب الله​" تقديم ضمانات سياسية في كليمنصو لترسيخ تفرّد جنبلاط في الساحة الدرزية، لأن هناك مستجدّات سوريّة ولبنانيّة تواكب إندفاعة القوى السياسيّة الدرزيّة التي تحالف دمشق و"العهد" في لبنان. رغم ان "حزب الله" يحاول مراعاة "الإشتراكيين" بعد مصالحة عين التينة التي إستتبعتها لقاءات عدة، ويحاول فيها القيادي "الإشتراكي" الوزير السابق غازي العريضي لعب دور المنسّق الدائم بين المختارة وحارة حريك.

لكن مصادر مطّلعة تقول إن الساحة الدرزية تعيش "حالة ضياع": ماذا بعد فشل الرهان الجنبلاطي على إسقاط النظام السوري؟ كيف يمكن تقبّل الإنفصال في التواصل الإجتماعي بين الموحدّين في جبل لبنان وجبل العرب في سوريا؟.

بالمقابل، رسّخت سوريا علاقاتها مع زعماء دروز آخرين للقول ألاّ عودة لحضانة المختارة: ارسلان في الجبل وحاصبيا، ووهّاب في الشوف بشكل خاص، وطارق الداوود في راشيا. واذا كان رئيسا "الديمقراطي" و"التوحيد" ثبّتا وجودهما السياسي في لبنان خلال السنوات الماضية، وقد بيّنت الأرقام الإنتخابية قدراتهما الشعبية، رغم خسارة وهّاب بفارق بسيط جداً بسبب عدم دعم حلفائه له، فإن الداوود بات يوسّع حراكه في البقاع الغربي بدعم سوري ايضاً، بعد رصد شكاوى من حلفاء "المقاومة" حول ترك ساحة راشيا للوزير "الإشتراكي" وائل ابو فاعور. يملك آل الداوود تراثاً سياسياً وخدماتياً إجتماعياً في تلك المنطقة، وهم أعادوا تنشيط دورهم بتكليف طارق الداوود بالمهمّة السياسية، وهو يحظى بدعم سوري واضح تجلّى بإنجاح دوره في إطلاق موقوفين لبنانيين من سوريا.

في هذه الحال، بات يتوزّع السياسيون الدروز في لبنان بين حلفين إقليميين: جنبلاط الى جانب تركيا، وارسلان ووهّاب والداوود في تحالف مع سوريا.

تغيب الحضانة العربيّة المباشرة التي كان يحظى بها جنبلاط تاريخياً، "بعدما وصلت معلومات الى عواصم خليجية بشأن التنسيق القائم بين الإشتراكيين وتركيا، وهو امر يستفز الخليجيين"، بحسب ما يكرّر مطّلعون في مجالسهم. أمّا دولياً، لا يهتم الغرب بتلك الحسابات، لا الأميركيون ولا الأوروبيون يكترثون لتفاصيل لبنانية، لكن الروس يحافظون على علاقاتهم مع جنبلاط، من دون ان يميّزوه عن غيره هذه المرة. هم فتحوا أبواب موسكو لإرسلان الذي أجرى محادثات عدّة في روسيا، وأبرزها في الآونة الأخيرة، ولوهّاب الذي تتحدث مصادره عن زيارة مرتقبة له الى موسكو لإجراء محادثات سياسية ايضاً، وللداوود الذي يتواصل مع الروس بإستمرار تحضيراً لزيارة مرتقبة له ايضاً إليها. فهل تحمل الإنتخابات المقبلة خريطة سياسية درزيّة جديدة تفرض الشراكة الفعليّة في القرار السياسي عند الموحّدين الدروز؟.