لا يبدو أن القوى السياسية المشاركة في الحكومة الحالية تريد التعلّم من تجارب الماضي القريب أو البعيد، فهي لا ترى من وسيلة لزيادة الوارادات إلا فرض ​الضرائب​ على ذوي الدخل المحدود، من دون الإقتراب من الأبواب التي قد تأتي بمبالغ ماليّة كبيرة، نظراً إلى أنها تمس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بها.

في الشكل العام، الهدف الأساسي من أيّ موازنة هو إرضاء الدول الداعمة في مؤتمر "سيدر"، حيث تُصر القوى السياسيّة على أنه "الخلاص"، وبالتالي تريد أن تقول أنّ تحرير الأموال يتطلب فرض ضرائب على مواطنين، تسمى اليوم بالقرارات "القاسية" أو "غير الشعبيّة"، لكن المفارقة أنه عند أيّ ردة فعل شعبيّة من إقتراح ما، كإقتراح فرض رسم على الإتصالات عبر تطبيقات ​مواقع التواصل الإجتماعي​، تسارع القوى نفسها إلى نفي موافقتها عليها، وكأنّها هبطت، عن طريق الإشباح، على طاولة ​مجلس الوزراء​.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ القوى المشاركة في الحكومة تريد التهرّب من نقطة جوهريّة، تتمثل بأنّ تحرير أموال "سيدر" غير مرتبطة بفرض المزيد من الضرائب على المواطنين، حيث أنّ المطلوب وقف الهدر و​الفساد​ عملياً والقيام بالإصلاحات التي باتت معروفة، لكنها تلفت إلى أنّ هذه القوى، ترى أن الضرائب والرسوم هي الطريق الأسهل لزيادة الواردات.

من وجهة هذه المصادر، هذه الطريق لن تؤدّي إلى أيّ نتيجة عمليّة، نظراً إلى أنّ المعادلة الإقتصاديّة البسيطة تفيد بأنّ زيادة الضرائب والرسوم، في أيّ دولة تعاني من أزمة، يعني الذهاب إلى حالة من الإنكماش الإقتصادي، وبالتالي التخفيض من الإنفاق الذي يقود إلى الحدّ من الواردات التي ستحصل عليها الخزينة العامة، وبالتالي المطلوب البحث في مكان آخر بعيدا عن جيوب الفقراء وذوي الدخل المحدود.

وتشير المصادر نفسها إلى أنّ مناقشة موازنة العام 2020 كان من المفترض أن تفتح الباب لطرح الكثير من الأسئلة التي لا تزال دون أجوبة، تتعلق بمصير التوظيف العشوائي الذي حصل قبل الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، وبالتهريب عبر المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة، وبالإصلاح الذي من المفترض أن يشمل الإدارات والمؤسّسات العامّة، وتسأل: "هل المطلوب الوصول إلى موازنة "كيف ما كان" بعيداً عن أي رؤية إقتصادية واضحة"؟.

من وجهة نظر المصادر السياسيّة المطلعة، الواقع الراهن يعني أن موازنة العامة 2021 ستحمل معها المزيد من الضرائب والرسوم، نظراً إلى زيادة الإستحقاقات التي تقع على عاتق ​الدولة اللبنانية​، في حين أنّ الحكومة مستمرّة بالعمل على قاعدة "كل يوم بيومه" بدل وضع خطّة متوسطة الأمد وأخرى طويلة الأمد، وتشدد على أن أي إجراء لا يتناول بنية ​الإقتصاد اللبناني​ لن يأتي بنتائج إيجابيّة.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ وضع أيّ ​سياسة​ إقتصاديّة يتطلّب إجماعاً حولها من قبل الأفرقاء السياسيين، وتلفت إلى هذا الأمر غير متوفّر في الوقت الراهن، نظراً إلى الإصرار على الخلط بين الإقتصاد و​السياسة​، وبالتالي التنازع حول كل ما يمكن إنجازه على هذا الصعيد، بدليل الإستمرار في الخلاف حول ما إذا كانت ​الموازنة​ يجب أن تتضمّن برامج إصلاحيّة، أو أن الأخيرة يجب أن تكون منفصلة عنها، وكأنّ ​الأزمة​ في التوأمة أو عدمها وليس في وجود الإصلاحات من الأساس.

في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أنه في مناقشة موازنة العام 2020، المعادلة القائمة تنص على تغييب الإصلاحات والإصرار على الضرائب والرسوم، ما يعني إبقاء الوضع على ما هو عليه بإنتظار ​مساعدات​ خارجيّة لن تأتي في ظل الواقع الراهن.