في الوقت الذي تتصارع فيه كلّ من ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة وروسيا و​تركيا​ على حساب ​الأكراد​ في ​سوريا​، تتّجه الأنظار إلى آلاف الإرهابيّين المُحتجزين في سُجون مَوضوعة في عهدة الوحدات الكرديّة. فهل إحتمال فرار هؤلاء من مُعتقلاتهم وارد، وبالتالي ما هي إحتمالات عودة التفجيرات الإرهابيّة إلى ​العالم​، وهل ​لبنان​ القريب جغرافيًا يُمكن أن يُعاني من مَوجة تفجيرات جديدة؟!.

بالنسبة إلى إحتمال حُصول أيّ عمليّات فرار جَماعي من السُجون التي تُديرها قوّات "قسد"(1)، بفعل الإنسحاب الأميركي من المنطقة، وخُصوصًا بفعل الضغط العسكري التركي الكبير والذي دفع الأكراد إلى تركيز إهتمامهم على صدّ الهجمات بدلاً من ضبط السُجون، فإنّه يبقى واردًا، لكنّ نسبته ضعيفة. فهذه السُجون محطّ إهتمام دَولي، وكذلك محطّ مُتابعة دَوليّة وإستخباريّة من أكثر من جهة، لأنّها تضم نحو 12000 إرهابي، أغلبيّتهم الساحقة من كل من سوريا (نحو 4000) ومن ​العراق​ (نحو 4000 أيضًا)، علمًا أنّ بين هؤلاء المُعتقلين نحو 2500 إرهابيّ يحملون جنسيات أوروبيّة وغربيّة مُختلفة. وبالتالي، وعلى الرغم من حُصول بعض عمليّات الفرار الفرديّة المَحدودة في الأيّام القليلة الماضية، فإنّ أغلبيّتها لم تكن لمُقاتلين من تنظيم "داعش" الإرهابي وإنّما من عائلاتهم(2). ويُمكن القول إنّ الأكراد يُلوّحون بورقة فرار إرهابيّي "داعش" التي يملكونها، ويستغلّونها إعلاميًا، وذلك بهدف توظيفها في صراعهم العسكري الحالي مع تركيا، لجهة الحُصول على دعم دَولي للحفاظ على مُكتسباتهم الميدانيّة.

إشارة إلى أنّه ولتجنّب حُصول أيّ مفاجآت على هذا المُستوى، دخلت أكثر من دولة غربيّة على خطّ التفاوض مع المسؤولين الأكراد، لإقناعهم على إبقاء الحماية الأمنيّة الكرديّة لهذه السُجون في المرحلة الحالية، وللبحث في إمكان نقل كل المُعتقلين من سوريا إلى العراق في مرحلة لاحقة. وفي هذا السياق، وصل وزير الخارجيّة الفرنسي ​جان إيف لودريان​ إلى العراق أمس، حيث يُواصل لقاءاته مع عدد من المسؤولين العراقيّين، للبحث في سُبل نقل إرهابيّي "داعش" إلى العراق، وفي سُبل إجراء مُحاكمات دَوليّة لهم على الأراضي العراقيّة، خاصة وأنّ مُنظّمات حُقوقيّة عدّة كانت إنتقدت قيام السُلطات العراقية بمُحاكمات شكليّة لمتورّطين في جرائم إرهابيّة، وبإعدامهم ميدانيًا، وحذّرت من تكرار هذا "السيناريو" في حال نقل المُعتقلين لدى الأكراد في سوريا إلى العراق. وفي كل الأحوال، وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الإتصالات القائمة حاليًا في هذا الشأن، لا قُدرة لهؤلاء المُعتقلين للتسلّل مُجدّدًا إلى الدول الأوروبيّة والغربيّة التي يحملون جنسيّاتها، باعتبار أنّ فرارهم من دون تسهيل مُتعمّد من جانب الأكراد صعب جدًا، وأسماءهم ومُواصفاتهم مُعمّمة على كل المعابر الشرعيّة، ما يترك إحتمالاً ضئيلاً جدًا لتمكّنهم من العودة إلى هذه الدول الأوروبيّة والغربيّة والإنخراط في أيّ أعمال إرهابيّة مُنظّمة.

وبالنسبة إلى إحتمال عودة التفجيرات إلى لبنان، لا شكّ أنّ تأزّم الوضع السياسي داخليًا يُشكّل ثغرة كبيرة، يُمكن أن يستغلّها أي جهاز إستخبارات يريد التسبّب بأجواء سلبيّة إضافيّة في لبنان، أو أيّ تنظيم إرهابي يريد تنفيذ عمليّات إنتقاميّة على الساحة اللبنانيّة. لكنّ هذه الثغرة السياسيّة الناتجة من تفاقم الخلافات بين العديد من القوى المحليّة لأسباب مُختلفة، لا تترافق مع أيّ تراخ أمني، ناهيك عن أنّ المنطقة التي تتواجد فيها السُجون التي يُديرها الأكراد، هي على الحدود السوريّة–العراقيّة، ما يعني أنّها بعيدة عن لبنان، وبالتالي على أيّ فار تجاوز كل الإجراءات الأمنيّة السُوريّة أوّلاً، قبل العمل على التسلّل إلى لبنان ثانيًا. وفي هذا السياق، إنّ الجُهوزيّة الأمنيّة للجيش وللجمارك وللأمن العام ولمُختلف القوى الرسميّة الأخرى، عالية، بهدف كشف أي مُحاولة للدُخول إلى لبنان من قبل أي مَشبوه، مع الإشارة إلى أنّ هؤلاء الإرهابيّين فقدوا بعد إعتقالهم أيّ أوراق تعريفيّة أو جوازات سفر قانونيّة، ودُخولهم إلى أيّ بلد لا يمكن أن يتم إلا عبر مُستندات مُزوّرة أو عبر معابر غير شرعيّة. من جهة أخرى، إنّ المُتابعة الإستخباريّة والأمنيّة الإستباقيّة للمَشبوهين في لبنان، شلّت تمامًا عمل ما يُسمّى "الخلايا الإرهابيّة النائمة"، ونجحت في تضييق الخناق على مُختلف المُشبوهين. وبالتالي، إنّ تمكّن بضع إرهابيّين من "داعش" من العُبور إلى لبنان، لسبب أو لآخر، لا يعني على الإطلاق أنّه سيكون بوسعهم الإستحواذ على أي مُتفجّرات أو على أي أسلحة ناريّة بشكل سهل وبسيط، ولا يعني على الإطلاق أيضًا أنه سيكون بوسعهم الإنخراط في خلايا إرهابيّة مُنظّمة وقادرة على العمل بحريّة.

(1) مُوزّعة على مدينة القامشلي ومدينة المالكيّة وبلدة الدشيشة، وغيرها.