لم يعد هناك صعوبة في تشخيص اسباب استفحال الازمة ​المال​ية ​الاقتصاد​ية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها ​لبنان​ دولة وشعبا.. ف​الدولة​ أصبحت غارقة بالديون الداخلية والخارجية وفوائدها المراهقة، التي ادت إلى تفاقم عجَز ​الموازنة​.. فيما الاقتصاد الانتاجي، الذي يحقق النمو الحقيقي ويؤَمن فرص العمل، جرى تهميشه وتدميره لصالح الاقتصاد الريعي.. ما اسفر عن تراجع خطير في معدلات النمو سنة تلو أخرى، حتى أصبح لبنان يستورد بنحو ١٧ مليار ​دولار​ ويصدر فقط ب مليارين دولا ر.. الأمر الذي أحدث خللا خطيرا في الميزان التجاري، ما أدى الى نزيف في احتياطات لبنان من العملة الصعبة، كان يجري تعويضه عبر تحويلات المغتربين في الخارج من ناحية.. وعائدات ​السياحة​. ويجري تأمين العجَز في الموازنة من خلال الاستدانة من ناحية ثانية. لكن هذه الحلقة الجهنمية الناتجة عن الاستمرار في الاستدانة واغراق البلاد اكثر فأكثر في مستنقعها، لم يعد بالإمكان التعايش مع نتائجها المالية السلبية. لا سيما مع حصول تراجع ملحوظ في تحويلات المغتربين من مليارات إلى حوالي ال ٧ مليارات دولار. وانخفاض في عائدات السياحة من ١٠ مليارات إلى نحو ٨ مليارات دولار.. ومن ثم جاء تصعيد ​واشنطن​ في إجراءات الحصار المالي على لبنان، وتحديدا على ​البيئة​ الشعبية للمقاومة والمناصرين والمؤيدين لها.. ليزيد من حدة الازمة المالية واستطرادا الازمة الاجتماعية.

هكذا فإن لبنان بات امام تحدي مواجهة الازمة المالية الاقتصادية التي تضغط بدورها على الوضع المعيشي.. ويطرح معها سبل الخروج منها..

الأكيد ان إمكانية الخروج من الازمة إمكانية متوافرة لكن بحاجة إلى قرار سياسي يحدث قطيعة مع السياسات النيوليبرالية لمصلحة اعتماد سياسات تنموية تدعم الانتاج وتستعيد موارد الدولة التي جرى التخلي عنها لمصلحة الشركات الخاصة.. على أن اهم الإجراءات الممكنة والتي يمكن أن تحدث نتائج إيجابية سريعة هي:

اولا: على الصعيد الاقتصادي، العمل سريعا للاتصال رسميا مع ​الحكومة السورية​ لاجل استعادة التنسيق والتعاون الاقتصادي بين البلدين بما يقود إلى تفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما والتي تسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي، وصولا إلى الحصول على تسهيلات سورية لتصدير الانتاج اللبناني الزراعي والصناعي الى ​العراق​ عبر معبر ​البوكمال​ القائم مما يؤدي إلى انعاش وتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي حقيقي والحد من الخلل الحاصل في الميزان التحاري.

ثانيا: عودة الدولة الي استيراد ​النفط​ والغاز مباشرة من دول صديقة مما يخفض كثيرا من فاتورة استيراد هذ المادة الحيوية ويؤَمن عائدات هامة للدولة.. والعمل بالسرعة القصوى لاعادة ترميم وتشغيل مصفاتي النفط في ​طرابلس​ و​الزهراني​..

ثالثا: تثمين أملاك الدولة البحرية والنهرية ووضع رسوم ضرائبية سنوية على شاغليها، ووضع رسم مقطوع عن سنوات الأشغال السابقة الأمر الذي يؤمن مبالغ مالية للخزينة بمئات ملايين الدولارات..

رابعا: تعديل القانون الضرائبي بحيث يتم اعتماد الضريبة التصاعدية بحيث يدفع أصحاب الثروات والمداخيل الكبيرة ضرائب للخزينة بشكل يتناسب مع نسبة ما يحققونه من أرباح.. وبالتالي لا يتم تحميل الفقراء العبء الضريبي من الضريبة غير المباشرة التي تساوي بين أصحاب المداخيل المرتفعة وبين ذوي الدخل المحدود من الطبقات الوسطى والصغيرة والفقيرة.. وكذلك توجيه الضريبة بحيث يتم رفعها على المستثمرين في المجالات الريعية وخفضها على المستثمرين في القطاعات الإنتاجية..

خامسا: العمل على استرداد أموال الدولة ممن يثبت انه اثرى ثراء غير مشروع خلال تسلمه وظيفة في مؤسسة من مؤسسات الدولة.. وبالتالي التشدد في تطبيق قوانين حماية المال العام و​محاربة الفساد​ ومعاقبة الفاسدين والمفسدين..

ان اعتماد هذه الإجراءات في متناول يد الحكومة اذا ما قررت تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة.. ومردودها اسرع بكثير من انتظار ان تأتي أموال ​القروض​ من سيدر، التي اذا أتت فانها ستكون مشروطة وسترتب ديونا جديدة، وتؤدي الي زيادة حجم الدين وفوائده وبالتالي زيادة ​العجز​.. فيما الإجراءات الأنفة الذكر تغني الدولة عن الاستدانة وتقود إلى سد العجز وتحقيق نمو حقيقي في الاقتصاد واسترداد الدولة بعض مداخيلها التي فقدتها نتيجة موجة ​الخصخصة​ في قطاعات النفط والبريد والنقل و​النفايات​.. الخ.. واستطرادا تجنب الحكومة السير في إجراءات ضرائبية يجري الحديث عنها في مناقشات موازنة ٢٠٢٠ سيودي اعتمادها إلى تفاقم الازمة الاجتماعية واحداث اضطراب في الشارع.. وتنعكس سلبا على الحركة الاقتصادية التي تعاني من الركود اصلا..