لم أكن يومًا مقتنعًا بأن الطبقة السياسية منذ الطائف حتى الآن مؤهلة لإدارة بلد، ولذلك لم أنبهر "بمآثرها" على مدى عقود، ولم أقر بوجودها أصلًا، فقادتها هم الذين تقاتلوا ونهبوا وهجَّروا وكوفئوا لاحقًا باستلامهم السلطة ومقدرات البلد.

طيَّفوا مجتمعاتهم وزرعوا فيها الخوف من الآخر، وقضوا على مؤسسات الدولة وحلُّوا مكانها ونصَّبوا أنفسهم حكامًا على طوائفهم وخدماتها.

سرقوا ونهبوا وأهدروا مقدرات البلد، فأوكل إليهم أنفسهم تصحيح التمثيل النيابي، ومحاربة الفساد والزبائنية، وإصلاح النظام السياسي والإداري، ووقف الهدر، فكيف يمكن للمليشيات أن تبني دولة عصرية تقيم العدالة والشفافية؟ فمنذ البداءة كان الرهان على الجهة الخطأ.

اليوم نحن قيد أنملة من ضياعنا وضياع الوطن، وكثير من الطروحات يطلقها الشعب المنكوب بقادته وبلقمة عيشه، لكن لا بدَّ من التبصر خلال الأيام القليلة جدًا التي تسبق الانهيار، فالمسؤولون عند ضياع الوطن لديهم أوطانهم وثرواتهم وليس الوطن عندهم إلا بقرة حلوبًا شبعوا منها وتركوها لقدرها، أما نحن فليس لدينا إلا هذا الوطن بذلنا فيه زهرة شبابنا وخيرتهم ولا خيار لنا سواه.

استقالة ​الحكومة​ تعني مشاورات جديدة تفضي إلى التكليف فالتأليف، والطبقة السياسية الفاسدة عينها هي المولجة بذلك، وقد عوَّدتنا على قلَّة المسؤولية والتناحر وإضاعة الوقت في هكذا استحقاقات، وإذا اختصرت المهل القانونية والوقت فإنها ستعود برموزها أنفسهم.

إسقاط العهد لا يقل خطرًا، ألم تنشب حروبهم عند كل استحقاق للرئاسة؟ فهم في ملفات أقل شأنًا لم يعيروا مصلحة البلد أي اعتبار فكيف بهكذا استحقاق؟.

حلُّ ​المجلس النيابي​ وإجراء ​انتخابات​ قبل دخول فاسديه إلى السجن سيضعنا أمام مجلس على صورة المجلس الحالي، وأنتم تعرفون براعتهم في التجييش الطائفي والمذهبي لحشد الناخبين.

الطلب من الفاسدين إعادة ما سرقوه وهم في الحكم هو خطوة لن يتمكن الشعب من متابعتها ولا مراقبتها، لأن هؤلاء الفاسدين يمسكون بالإدارة وأجهزة الرقابة والتفتيش وقسم كبير من ​القضاء​، وسيعطلون أية محاولة جدية في هذا الإطار.

ما الحل؟ تشكيل حكومة عسكرية لفترة محدودة، يسبقها حلُّ المجلس واستقالة الحكومة، وإعلان ​حالة الطوارئ​ تُفتح فيها جميع الملفّات وتُطلق يد القضاء وتتمّ المحاسبة واستعادة المال المنهوب، يليها إقرار قانون انتخابي على أساس ​لبنان​ دائرة واحدة خارج القيد الطائفي، وتشكيل حكومة مدنيّة.

كلهم فاسدون، نعم، لكننا نحتاج إلى شعارات تُخرج البلد من عنق الزجاجة، والإفادة من الحراك العفوي والصادق والجريء الذي يحصل الآن والذي لن يتكرر، كي لا نندم عندما لا ينفع الندم.ومَن يعش يرَ.