ثمَّة ما هو أَخطر من إِشعال الإِطارات خلال التَّظاهرات على ​البيئة​ كما وعلى صحَّة الإِنسان، ولكن في المجال التَّربويِّ، وهو اصطحاب الأَهل أَطفالهم إِلى حيث التَّجمُّعات المطلبيَّة. فالوضع العامُّ في مكان التّظاهر، لا يشكِّل بيئةً سليمةً لهم من حيث التَّربية والأَخلاق...

-نساءٌ لا يحسنَّ احترام أَنفسهن ولا اللَّباس الشَّرعيَّ الَّذي يرتدينه... فيتلفَّظن بكلماتٍ نابيةٍ في التَّظاهرات المطلبيَّة!.

- فتيات يُظهرن اللا حَياء، ولا يتحلَّين بالحدِّ الأَدنى من الأَدب في تلك الأَماكن العامَّة...

- رجالٌ لا يُراعون الغَير في طرائِق تعبيرهم وشجبهم واستنكارهم العلنيِّ...

لسنا هنا في وارد الحُكم على تصرُّف الآخرين، فلهم حرِّيتهم الشَّخصيَّة ووسائل تعبيرهم، ولكن من المسؤوليَّات المُلقاة على عاتق الأَهل، عدم وضع أَولادهم في حالاتٍ كهذه، إذ ثمَّة أُمورٌ لا ينبغي تعريض الأَولاد لها، كما وأَنَّها قد تُحدث حالاً من التَّناقض الرَّهيب بين ما يتعلَّمه الطِّفل في مادَّة التَّربية، وما يراه أَو يسمعه في الواقع، ما يُخدش بالتَّالي سلَّم القيم الَّتي نشأَ عليها في المنزل.

أَقول هذا بعد التَّظاهرات الأَخيرة الَّتي شهدها ​لبنان​ بدءًا من الخميس الماضي، تحت عنوان "الثَّورة"... والَّتي كانت تُنقَل عبر شاشات التَّلفزة. وبحكم النَّقل الإِعلاميِّ المباشر، كانت تتسلَّل الشَّتائم ولغة السَّباب غير مميِّزةٍ بين مسؤولٍ ووزيرٍ ورئيسٍ، ولا هي تُراعي احترام الكَبير في القامة والقيمة...

والشَّتائم تلك تجعل الطّفل يلتقط الشَّتائم، ولا يجد أَيَّ عائقٍ في تكرارها، فينقلها إِلى المدرسة، ويردِّدها في المنزل، وتدخل حقله المعجميَّ اليوميَّ وبالتَّالي فإِنَّ الطّفل يُطلق الشَّتيمة على الكبير والصَّغير ومن دون أَيِّ إِحراجٍ، ولا يكون الذَّنْب ذنبه إِذَّاك!.

والأَنكى مِن ذلك، مَن يعمد إِلى تلقين طفله ماذا يقول إذا سُئل من الإِعلام عن رأْيه، فيردُّد الطِّفل إِذَّاك ما تلقَّنه، مظهرًا "شطارته" أَمام أَبيه كما وأَمام الجمهور العريض، فينشرح بالتَّالي صدر الوالد فخرًا واعتزازًا، ولا يدرك أَحدٌ خطورة المس بسلَّم القيم أَو بأَحد مندرجاته...

تمامًا كالإِطار المطَّاطيِّ، الّذي يترك حرقه السَّواد في كلِّ مكانٍ، فنتنشَّق انبعاثاته السَّامَّة، كما وتسبِّب الغازات النَّاتجة عن ​الحرائق​ والتَّلوّث البيئيِّ، نوعًا من التَّهيُّج للقَنوات التَّنفُّسيَّة لدى الأَشخاص في حال استنشاقهم الغازات المنبعثة عنها، وتسبَّب أَيضًا تهيُّجًا للشُّعب والقصبات الهوائيَّة للأَشخاص الَّذين يُعانون من الحساسيَّة أَو الرَّبو... كذلك فللكلمات سوادها، وانبعاثاتها السَّامَّة، وتلوُّثها السَّمعيُّ والفكريُّ!. وعلى الأَهلين بالتَّالي وقاية أَبنائهم مِن الخطاب غير اللائق، وجعلهم يعتادون على احترام الكبير والصَّغير، وتجنيبهم سياسةً غير مقرونةٍ بخلقٍ سليمٍ وبقيمٍ ثابتةٍ محدَّدةٍ، يُفترض في الطّفل أَن يعيشها في المنزل والمدرسة والمجتمع الضيِّق...

وليترك الأهلون خلافاتهم وشتائمهم وكلامهم البذيء لهم وحدهم، يقولونه في سرِّهم لا في حضور أَبنائهم، وليحموهم من ​الآثار​ السَّلبيَّة لمشاركة الأَطفال في التَّظاهرات المطلبيَّة الحادَّة الخطاب والمتفلِّتة من الأُصول واللَّياقات.

وإِذا كانت الغازات السَّامَّة النَّاتجة عن حرق الإِطارات لا تتبخَّر في الهواء في سهولةٍ بل تتجمَّع في مستوياتٍ محدَّدةٍ من الغلاف الجويِّ ويستنشقها النَّاس وبالتَّالي تؤَثِّر في الجميع من الرَّضيع إِلى الطَّاعن في السِّنِّ، كذلك فسموم الكلام لا تنمحي من ذاكرة الطّفل، ويعتاد عليها، ولا يلحظ مساوئها بل تتجمَّع هذه الشَّتائم في ذاكرته.

إِنَّ المسؤوليَّة عن التَّربية على القيم أَكثر ما نحتاج اليوم في لبنان إِلى تعميمها، والسَّهر عليها وتحصين جيل الغد بها!.