لا تزال التحركات الشعبية مستمرة، ولا تزال الحركة الاقتصاديّة متوقّفة عن الدوران، بظل ضبابيّة تامة حول الموعد الذي يمكن أنّ تعود للحركة مجددا، الأمر الذي لا يمكن الا أن يؤثر على الوضع المالي والاقتصادي، بعيدا عن أسباب الحراك ودوافعه ونتائجه واحقّيته.

أقفلت المصارف أبوابها، والخوف من التداعيات بعد إعادة فتحها، والامر بحسب المتابعين يرتبط بالتطورات التي ستحصل في الشارع، مع الإشارة الى أن طول مدة إقفال المصارف سيؤدي لتأثيرات سلبيّة، أهمّها على الإطلاق عدم توفر الأموال في الصرّافات الآلية، رغم أنها لم تفرغ بشكل نهائي حتى اليوم، بسبب تحديد قيمة عليا للسحوبات اليوميّة، نظرا للقلق الكبير من سحب الودائع، إنما هذا لا يعني أن الاموال ستكون متوفّرة حتما مع نهاية الشهر الجاري، تاريخ وصول رواتب الموظفين والأجراء الى المصارف، رغم تأكيد الجميع بعدم وجود مشكلة في هذا الصدد.

اعلنت جمعية المصارف استمرار الإقفال لنهاية الاسبوع الجاري، ولكن المؤشرات لا تدل على إمكانية العودة للعمل قريبا، انما خسائر الاقتصاد لا تتعلّق بالمصارف بل بكامل النشاط الإقتصادي في لبنان.

لا يمكن تقدير "الخسارة" الماليّة اليوميّة بطريقة علميّة دقيقة، ولكن في مثل هذه الحالات يمكن التطرق لعدة نقاط، ومنها يمكن تقدير حجم الخسائر. عادة يقوم الخبراء بتقدير الرقم عبر استخدام الناتج المحلي الإجمالي وقسمته على عدد أيام العمل الفعليّة في السنة، وبما أن العام الحالي لم ينتهِ بعد من أجل استخدام رقم الناتج المحلي الإجمالي في عملية الحسابات، سنستخدم الرقم السابق، اذ بلغ الناتج المحلي الاجمالي للعام 2018، 56 مليار دولار، ومن اجل تقدير قيمة الخسائر اليومية الناتجة عن إقفال البلد، يجب أن يُقسم الرقم على عدد أيام العمل الفعلي خلال العام والذي يقدّر بحوالي 220 يوما، فيكون الرقم حوالي: 255 مليون دولار يوميا يخسرها الاقتصاد الوطني.

وأيضا، الى جانب هذا الرقم الذي يضمّ كل النشاط الاقتصادي والضرائب، فهناك مشكلة أخرى تسبّب خسائر إضافيّة للدولة، وهي مشكلة الرواتب. من المعلوم ان حوالي ثلث قيمة الإنفاق في الموازنة الـ23340 بليون ليرة لبنانية، من دون إضافة 2500 بليون، ‏وهي سلفة لدعم كهرباء لبنان، ما يعني أنّ حجم الإنفاق للرواتب يبلغ حوالي 7800 مليار ليرة، وهي تُقدّم مقابل 220 يوم عمل، أي حوالي 35 مليار ليرة لبنانية مقابل يوم العمل بالاضافة الى بدل النقل، وبالتالي كل يوم عمل لا يَعمل به الموظف كما يجري حاليا ويقبضه نهاية الشهر سيكون خسارة إضافية للإقتصاد.

وهذا ليس كل شيء، ففي الطروف الحاليّة، خفّت حركة النقل، وبالتالي استعمال البنزين، أيّ قلّت الضريبة التي تنالها الخزينة، كذلك انخفضت نسبة شراء الكماليّات، وبالتالي انخفضت قيمة الضريبة على القيمة المضافة التي تنالها الدولة.

الى ذلك، إنّ قيمة العجز في موازنة العام الحالي تبلغ 7.59 بالمئة، وهذه القيمة تُحدد نسبة للناتج الوطني، فكلما ارتفع الناتج انخفض العجز والعكس صحيح، وبالتالي إن انخفاض قيمة الناتج الوطني اليوم سيعني ارتفاع العجز بنسبة ضئيلة، ولكن هذه النسبة تعني ملايين الدولارت.

أكّدت وزارة الماليّة ومعها المصارف انّ الرواتب ستكون في مواعيدها، ولكن هذا لا يعني أن كل الموظفين سيقبضون رواتبهم بداية الشهر المقبل لصعوبات تحصيل ونقل وسحب الأموال، إنما السؤال الأهم، بين المطالب الشعبيّة المحقة، ورفض الحكومة الاستقالة، اقتصاد مريض يزداد مرضا، فهل يتحمل خسائره اليومية؟!.