على وقع الإشتباكات في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، بين متظاهرين يؤكدون أنهم من بيئة "حزب الله" وآخرين يصرّون على الإستمرار في شعار: "كلن يعني كلن"، أطل أمين عام الحزب ​السيد حسن نصرالله​، لشرح الواقع الذي تمر به البلاد، لا سيما أن هذه الإشتباكات تكرّرت لليوم الثاني على التوالي.

الإصرار على عدم "سرقة" الحراك الشعبي، هو في أساس موقف "حزب الله"، خصوصاً أنه لا يزال يؤكد أنه لا يبتعد عن المطالب التي لديه، لا بل جمهوره هو منه، لكن في المقابل المحاذير السابقة التي كانت لديه لا تزال كما هي منذ اليوم الأول، وأخطرها الذهاب إلى الفراغ الذي يقود إلى الفوضى، لا بل تطورت.

إنطلاقاً من ذلك، ذكّر السيد نصرالله بالمواقف التي أعلنها يوم السبت الماضي، لناحية التأكيد أن الحراك شعبي وعفوي وصادق غير خاضع لأيّ حزب أو سفارة، وان الحزب لا يستطيع المشاركة كي لا يأخذ الحراك مساراً آخرَ، وبالتالي مصلحته أن يبقى بعيداً عنه وعن الأحزاب الأخرى، ليشير إلى أنّ البعض حاول الإيحاء بأنّه يهدد المتظاهرين، ليعود بعد ذلك إلى الحديث عن إنجازات نجح الحراك في تحقيقها.

على رأس قائمة الإيجابية، التي سعى أمين عام "حزب الله" إلى التركيز عليها والدعوة إلى توظيفها لمصلحة الشعب، هي فرض الحراك على الحكومة إنجاز موازنة خالية من ضرائب ورسوم وبعجز لم يتجاوز 1%، بالإضافة إلى ورقة الإصلاحات التي وصفها بأنها غير المسبوقة، مستغرباً العمل على تسخيفها من قبل بعض الذين يدّعون قيادة الحراك الأمر الذي يقود إلى الشبهة، مع العلم أنه لم يتردّد في التأكيد أنها دون الطموحات والتوقّعات.

في هذا السياق، كان من الواضح أن السيد نصرالله يريد العودة إلى التأكيد على أن الحراك هو أداة ضغط شعبية في إطار محاربة الفساد والهدر والعمل للإصلاح، داعياً إلى ملاقاة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي سبق له أن دعا إلى الحوار مع المتظاهرين وفتح الباب أمام إعادة النظر في الواقع الحكومي، لكنه جدّد التأكيد على أنّ أيّ حلّ لا يجب أن يقود إلى الوقوع في "فخّ" الفراغ بأيّ شكل من الإشكال، لأنه سيؤدّي، في ظلّ الأوضاع الراهنة، إلى الفوضى والإنهيار.

بناء على ذلك، رسم السيد نصرالله معادلة ثلاثيّة جديدة، عنوانها حماية البلد من الفراغ والفوضى، تقوم على رفض إسقاط العهد وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة، مقابل عدم معارضة إستقالة الحكومة الحاليّة، بالرغم من تأكيده أنه لا يؤيد ذلك، مشدداً على أنه مستعد لتحمل ضريبة هذه المعادلة كي لا يحمل لبنان ضريبة الدم، التي حذر منها في أكثر من مناسبة، داعياً المتظاهرين إلى إختيار قيادة موحّدة تنسجم مع أهواء المواطنين للتفاوض مع رئيس الجمهورية، حتى لو كان ذلك تحت ضغط الشارع، لكن بعيداً عن الإستمرار في عملية قطع الطرقات، التي دخلت يومها التاسع، في ظل التجاوزات التي تحصل في بعض المناطق.

في مقابل الإيجابيات التي تطرق لها أمين عام الحزب، في القسم الأول من خطابه، لم يتردد في توجيه الإتهام المباشر بأن الحراك، بنشاطه وشعاراته ومواقفه، لم يعد حركة شعبية عفوية، متحدثاً عن مبالغ طائلة تنفق على الذين يدّعون قيادة الحراك الكشف عن مصدرها، بالإضافة إلى حرف المطالب الشعبية عن وجهتها، وإستخدام بعض الساحات لتوصيف المقاومة بالإرهاب والتصويب على سلاحها.

وبناء على هذا التوصيف، دعا السيد نصرالله الحراك إلى تشكيل قيادة موحدة للتفاوض مع السلطة، لكنه أكد وجود قيادة غير معلنة لأسباب كثيرة، وتضم بعض الأحزاب والجمعيات والأطر، منها فئة وطنية وصادقة وأخرى تضم أحزابا سياسية كانت في السلطة ولها إرتباطات خارجية، بالإضافة إلى تجمعات وكيانات سياسية تشكلت، في الآونة الأخيرة، لم تنجح في الوصول إلى المجلس النيابي، بالرغم من الأموال الطائلة التي أنفقتها، وجهات أو شخصيات ترتبط بسفارات وأجهزة مخابرات خارجية، في حين أن هناك من يعتبرون أنفسهم من قادة الحراك لكن هم من أفسد الفاسدين.

في المحصّلة، تبدلت قراءة "حزب الله" للحراك الشعبي في الشارع، بين السبت الماضي واليوم، من الدعم والتأييد، إلى التحذير من دخول لبنان في دائرة الإستهداف السياسي والإقليمي الذي يوظّف فئات داخلية، مع الإستمرار في تبنّي المطالب الإجتماعيّة، التي رفعت في الأيام الأولى، لكن مع دعوة جمهور المقاومة إلى الخروج من الساحات، بسبب المحاذير التي لديه.