بعد كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون وخطاب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، دخل الحراك الشعبي، الذي انطلق مساء الخميس الماضي، في تحدي الحفاظ على الإنجازات التي حقّقها في الأيام الأولى، عبر الذهاب إلى تشكيل قيادة تتولى التفاوض باسمه، بالإضافة إلى وضع لائحة مطالب واضحة، وهو ما كان يخشاه منذ اليوم الأول.

في الأيام السابقة، كان بعض الناشطين في هذا الحراك يرفضون الذهاب إلى هذا الخيار، خوفاً من أن يقود ذلك إلى انقسامهم، لكن الإستمرار على المنوال نفسه، بعد اليوم التاسع من التحركات، لم يعد مجدياً، خصوصاً بعد فتح باب الحوار معهم من قبل العديد من الجهات السياسية، لا سيما أن التجاوزات التي تحصل في بعض المناطق لم تعد مقبولة.

من وجهة نظر هؤلاء الناشطين، المطلوب اليوم البقاء من دون أيّ قيادة أو لائحة مطالب، الأمر الذي طُرحت وتُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، لأن من غير المقبول أن يكون الهدف هو تجميع المواطنين على أساس لائحة لا تنتهي من العناوين، بعضها واقعي وبعضها غير قابل للتطبيق بسبب التركيبة اللبنانيّة، حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى الإنقسام أو الخلاف بين المجموعات المختلفة حول العناوين السياسية أو التوجهات الإقتصادية والإجتماعية، لأن المطلوب، قبل أيّ أمر آخر، أن يحافظ الحراك على مصداقيته.

على الرغم من ذلك، يمكن القول أن حالة الغموض التي إختار الحراك الشعبي الحفاظ عليها أدّت إلى خسارته جمهوراً واسعاً، هو المؤيّد لـ"حزب الله" أو "خطّ المقاومة" أو ما يعرف بقوى "الثامن من آذار"، بالإضافة إلى جمهور "التيار الوطني الحر"، الذي أعلن رئيسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في اليوم الثاني تأييده المطالب التي رفعها هذا الحراك، وبالتالي ما كان يخشاه وقع فيه عملياً.

بالتزامن، لم يعد خافياً الإختلاف في التوجهات بين الساحات، لا سيما بين تلك القائمة في المناطق المسيحيّة وباقي الساحات، نظراً إلى أن الأولى تتحرك على أساس أهداف سياسية بناء على الثقل الحزبي الذي يتواجد فيها، من جمهوري حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" بشكل أساسي، وبالتالي عندما تقرّر هذه الساحات الكشف عن وجهها الحقيقي سيكون الحراك أمام خسارة المزيد من المؤيّدين، وهو المشكلة الكبرى التي قد تهدّد الإنجازات التي حققها في البداية، بعد أن برز كقوّة ضغط شعبي على السلطة السياسية.

المشكلة الرئيسية التي وقع بها الحراك، هي عدم إدراكه بأنه لم يخرج من إطار قوة الضغط، التي تقوم على أساس تراكم الإنجازات بدل السعي إلى تحقيق كل شيء في الوقت نفسه أو الوقوع في "فخّ" الشعارات السياسية، لأن من غير المنطقي الوقوع في "نشوة" التجمعات الحاشدة، بدل التعامل مع الحدث بواقعيّة تقود إلى تحقيق المزيد من الإنجازات، لا بل تقديم "الحجج" التي سمحت بوضع علامات إستفهام كبيرة حوله، كتلك التي طرحها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، والتي كان أقلها رفع "الغطاء الثوري" عن عمليّات قطع الطرق التي تحصل، خصوصاً أنّ من يمرّ عليها يدرك جيداً حقيقة من يقف على "الحواجز".

في المحصّلة، الحراك الشعبي وضع نفسه أمام تحدٍّ كبير يتحمل مسؤولية الخروج منه، حتى ولو أدّى ذلك إلى "تعرية" بعض القوى التي تسعى إلى ركوب موجته أو إستغلاله، لأن خيبة الأمل من فشله كلياً ستكون كبيرة جداً.