"في كل عرس الو قرص"، هذا المثل الشعبي اللبناني ينطبق بشكل كامل على وضع ​الجيش اللبناني​، ففي الحرب كما في السلم، يعيش الجيش اللبناني اياماً عصيبة في لبنان. ففي الحرب، لا يتمتع بالعتاد والاسلحة المناسبة لمواجهة التحديات العسكرية والتي تصنّف من العيار الثقيل، للدفاع عن بلده، فيعمد الى القتال بما يملك مع كل ما يعنيه ذلك من شهداء وتضحيات تنعكس بطولات تدهش الخارج قبل الداخل. وفي السلم، يبقى الجيش مرجعاً وملاذاً لحل كل اشكال او مشكلة كبيرة كانت ام صغيرة. ومع الاحترام والتقدير لعمل الاجهزة الامنية، الا ان الوقائع تثبت ان الجيش هو الاكثر تدخلاً في الاشكالات واي خلل امني قد يطرأ.

اليوم، ينتشر الجيش على كافة الاراضي اللبنانية في مهمة دائماً ما تكون الاصعب بالنسبة اليه، وهي حماية المواطنين من انفسهم، فالمتظاهرون يشهدون خروج اشخاص عن معايير السلمية والتعبيرية غير المؤذية، واعتماد هؤلاء على منحى آخر ينحو الى العنف والتخريب. وتشهد الساحات والشوراع ايضاً نزول فئة اخرى من المواطنين يختلفون بالرأي وبالافكار عن المتظاهرين، وغالباً ما يتواجهون بالكلام اولاً ثم بالاشتباك بالايدي والعصي... وصولاً الى استعمال السلاح. وفي ظل التركيز الكبير لوسائل الاعلام على الحال الميدانية عبر الاستماع الى آراء المواطنين، يأتي هذا المقال بمثابة تحية الى الجيش اللبناني ضباطاً ورتباء وجنود على ما يبذلوه كل يوم من اجل لبنان، وما يتحملونه من عذاب من اجل اللبنانيين وسلامتهم. واللافت ان الكثير من الناس يتعاملون مع الجيش بمزاجيّة، فيكون حيناً الاب والشقيق والابن، ويصبح فجأة العدو والقاسي والقامع لحريات الرأي والتعبير.

فليسمح لنا الجميع، ان الجيش هو هو قبل التظاهرات وخلالها وبعدها، انما من يتغيّر هم الناس الذين يريدون ان يؤيدهم بشكل دائم بكل ما يطرحونه من شعارات وافكار، والا يصبح مركز الانتقاد والمسؤول عن الفوضى والاذى. هل يدرك من يستهدف الجيش انه يمعن في اغراق لبنان في الفوضى والمجهول؟ الم تكن المؤسسة العسكرية دائماً الملاذ الاخير للجميع وخشبة الخلاص الحقيقية لهذا البلد في اصعب الظروف واكثرها دقة وخطورة؟ الا يعرف احد ان الثقة الكبيرة في الجيش من قبل الناس والدول الخارجية، هي ركيزة اساسية في ابقاء لبنان على خريطة العالم؟ تتغير آراء رجال السياسة ورؤساء الاحزاب والتيارات، وفق الظروف والمعطيات الاقليمية والدولية، فيما تبقى عقيدة الجيش ومبادئه ثابتة وغير قابلة للتغيير، ولهذا يجد فيه الجميع على مختلف اطيافهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية، عنصر استقرار وامان.

من غير المسموح استهداف الجيش، وفي حال ارتكبت اخطاء، وهو امر قد يحصل انما بشكل نادر، فالمحاسبة موجودة من قبل القيادة العسكرية قبل الناس، لان صورة هذه المؤسسة هي المعنية ولهذا يكون التحرك الداخلي فيها على قدر التوقعات، ولاغلاق اي باب على التشكيك فيها او بمبادئها.

لا يكفي ان نطلق الاقوال الطيبة بحق الجيش، بل يجب ان نقرنها بالافعال، وان نكون فعلاً على اقتناع بأن الجيش هو الحل الدائم للمشاكل، ولعل قوته تكمن في عدم امتلاكه القدرة على فرض واقع سياسي او مالي او اقتصادي معيّن، وان كل تركيزه وهمه ينصب على حماية بلده ومواطنيه، في ايام الحرب كما في ايام السلم، فهو الذي يساعد في عمليات الاغاثة والانقاذ عند الحاجة، وهو الذي يساعد على تلبية نداءات الاستغاثة اياً يكن نوعها، وهو الذي يساعد على تأمين الحماية للمؤتمرات والندوات وحتى الاحتفالات على صعيد البلديات والمناطق، وهو نفسه المنتشر على الحدود دون سلاح فاعل يمكّنه من مواجهة الجيش الاسرائيلي او اي عدو يطمع بلبنان.

هذا هو الجيش اللبناني لمن لا يعرفه، ولن تنفع محاولات استهدافه من الداخل او الخارج، لانه يمثل بالنسبة الى اللبنانيين "قرشهم الابيض الذي يخبئونه ليومهم الاسود".