أعلنت واشنطن أنها قامت بعملية عسكرية في منطقة إدلب السورية أسفرت عن قتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي ​أبو بكر البغدادي​، وانّ القوات الأميركية أخذت جثته معها وتمّ التأكد من أنها تعود إلى البغدادي بعد إجراء فحص «دي أن آي» لعيّنة أخذت من الجثة.. وبغضّ النظر عن الرواية الأميركية المتناقضة، لكيفية حصول العملية، ونفي موسكو ان يكون قد جرى التنسيق معها، او ان تكون أقمارها وأجهزة رصدها في سورية قد التقطت عملية دخول طائرات أميركية من قاعدة «أنجرليك» التركية إلى سورية وإنزال وحدات كوماندوس في إدلب نفذت العملية، او ان تكون هذه الوحدات انطلقت من الشمال الشرقي السوري…

بغضّ النظر عن كلّ ذلك.. يبدو من الواضح أنّ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تنفيذ العملية والتأكد من مقتل البغدادي، في هذا التوقيت بالذات، يطرح السؤال عن الغايات والأهداف التي أرادها ترامب من هذه العملية ووضع نهاية لوجود البغدادي.. الذي ستبقى ترسم علامات استفهام حول حقيقة مقتله، كما حصل مع جثة ابن لادن التي قيل إنه تمّ رميها في البحر ولم يجر التأكد من أنّ الصورة التي عرضت لجثته تعود فعلا له، ام لا.. وقد يتكرّر نفس الأمر بنفس الطريقة مع الجثة التي قالت واشنطن إنها تعود للبغدادي..

من المعروف انّ البغدادي وتنظيم داعش إنما هو صناعة الاستخبارات الأميركية جرى استخدامه لشنّ الحرب الإرهابية الأميركية بالوكالة ضدّ العراق وسورية لتحقيق أهداف المشروع الأميركي في تدمير سورية والسيطرة عليها، وتبرير عودة القوات الأميركية الى العراق، بذريعة محاربة الإرهاب الداعشي، وبالتالي فرض الهيمنة الأميركية عليه، وصولاً إلى عزل إيران وتعويم مشروع الهيمنة الأميركي الاستعماري على المنطقة، وتكريس السيطرة على منابع وإمدادات النفط والغاز، وانتهاء بتكريس السيطرة الأميركية الأحادية القطب على العالم والقرار الدولي، وإحباط مساعي كلّ من روسيا والصين لإقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب.. ومسؤولية الولايات المتحدة عن صناعة داعش اعترفت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها «خيارات صعبة» بأنّ الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمّى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم داعش ، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.. كما اعترفت كلينتون بذلك في شهادة لها أمام الكونغرس الأميركي.. أما الرئيس ترامب وخلال حملته الانتخابية التي سبقت فوزه بالرئاسة، فقد اتهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه هو مؤسّس تنظيم داعش.

لكن هذا المشروع الأميركي فشل في تحقيق أهدافه في سورية والعراق، بوساطة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية. وباتت سورية بعد قرار ترامب بسحب قواته من سورية وفشل محاولة خلط الأوراق في سورية بعد مسارعة قوات «قسد» إلى طلب انتشار الجيش العربي السوري في شرق وغرب الفرات وقطع الطريق على خطط وأطماع الرئيس التركي في الأرض السورية.. أدرك ترامب انّ نهاية وجود التنظيمات الإرهابية في سورية اقتربت كثيراً، وأنه بحاجة للظهور بأنه أسهم في القضاء أو وضع نهاية لداعش وزعيمها البغدادي.. لاستخدام ذلك بغرض توظيفه في اتجاهين:

الاتجاه الأول: إظهار انّ انسحاب القوات الأميركية من سورية يأتي بعد أن أنجزت مهمتها المزعومة في القضاء على داعش وزعيمها البغدادي.. بالتالي التستر على فشل أميركا في تحقيق أهداف حربها الإرهابية في سورية.. والزعم بأنّ القوات الأميركية شاركت في إلحاق الهزيمة بداعش.. وبالتالي محاولة تضليل الرأي العام بشأن حقيقة الدور الأميركي في الوقوف وراء استمرار دعم واستخدام داعش في العراق لتبرير بقاء القوات الأميركية هناك والعمل على تغذية الاضطرابات فيه وركوب موجة الاحتجاجات الشعبية ضدّ السياسات الاقتصادية الاجتماعية بهدف إسقاط الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي، لأنها تجرّأت على التمرد على الإملاءات والضغوط الأميركية.. وأقدمت على تشريع قوات الحشد الشعبي التي أسهمت في دحر داعش، وفتح معبر القائم البوكمال بالاتفاق مع الحكومة السورية مما شكل ضربة موجعة للمشروع الأميركي «الإسرائيلي»، الذي كان يريد منع التواصل البري بين سورية والعراق، وبين إيران وسورية لمنع فكّ الحصار الأميركي المفروض عليهما..

الاتجاه الثاني: تعزيز موقف ترامب في مواجهة خصومه داخل الولايات المتحدة الأميركية، حيث أراد ترامب ان يجعل من ذلك إنجازاً له لتعزيز شعبيته عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يطمح فيها للفوز بولاية رئاسة ثانية..

ولهذا فإنّ واشنطن حرصت على أن تستخدم البغدادي، حتى في وضع حدّ لحياته.. وهو ما علق عليه الرئيس الشيشاني قديروف بالقول: «لقد تمّ قتل ابو بكر البغدادي مرة أخرى، وفوراً تبادرت للذهن كلمات تارس بولبا الشاعر الأوكراني الكبير لابنه اندريه: لقد أنجبتك أنا، وأنا أقتلك».