… وماذا الآن؟

13 يوماً مضت، و​لبنان​ كلُّه ينتفض.

لقد انكسر القيد الذي كان يكبِّل هؤلاء ​الشباب​ والشابات. فرفعوا أيديهم في الشوارع والساحات، وصمدوا، وأثبتوا أن أحداً بعد اليوم لم يعد قادراً على تجاوز طموحاتهم…

ولكن، آن الأوان لنفكر في قطف الثمار الأولى.

فالزرعُ نما سريعاً، وهو ينادي أصحاب السواعد وذوي الأفكار الواعية الحكيمة إلى أن يستعدوا لموسم القطاف. فلا تضيِّعوا الفرصة!

لقد آن الأوان لنفكّر جدياً كيف نُثمِّر الانتفاضة التي نجحت في هزِّ أركان ​السلطة​، ودفعتهم إلى الاعتراف بحتمية التنازل للشعب.

فبعد اليوم، لن تجرؤ السلطة التنفيذية على تجاهل الناس الذين باتوا قادرين، في كل لحظة، على إغراق الشوارع وإجبار المسؤولين على الاعتراف بواقع أساسي بات موجوداً على الأرض، إسمه "الانتفاضة".

***

نقول إن الوقت قد حان لاتخاذ قرار، لأننا نسمع وجهتي نظر في البلد حول هذا الأمر.

هناك مَن يقول: الأنسب هو أن يَخرج الناس من الشارع، موقَّتاً على الأقل ولإعطاء الفرصة. فالبلد لا يتحمَّل مزيداً من التعطيل والخسائر.

وفي تقدير أصحاب هذا الرأي أن أهل السلطة سيتنازلون حتماً، لأن الانتفاضة باتت سيفاً مُصْلَتاً. وفي أي لحظة، يمكن أن يعود الناس ليملأوا الشوارع والساحات، وتعود الانتفاضة أكثر اتساعاً وصلابة.

ولكن، هناك وجهة نظر أخرى تقول: من الخطأ خروج الناس من الشارع قبل سقوط ​الحكومة​، لأن ذلك سيؤدي إلى تظهير كارثة الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي على الأرض.

وسيعتبر أهل السلطة أنهم هزموا الناس بتصلُّبهم وأجبروهم على التراجع. وبالتالي، فإنهم سيعتمدون السيناريو نفسه في أي مرّة تتجدد فيها الانتفاضة، أي العناد حتى انسحاب الناس من الشارع!

ويقول أصحاب هذا الرأي أيضاً إن الناس الذين سيرجعون إلى الشارع بعد أسبوع أو شهر سيكونون منهكين تماماً ولا قوة لهم ولا حَيْل بسبب الانهيار الحاصل في البلد، والذي سيصيبهم في الدرجة الأولى.

لذلك، يقول هؤلاء، الأفضل هو الصمود في الشارع والضغط لتشكيل حكومة مستقلة تعيد الثقة بالحد الأدنى.

فعلى الأقل، يمكن أن يمنع ذلك "انفلات الملقّ" في سوق القطع. كما أن تشكيل حكومة مستقلة سريعاً سيوحي بالثقة للخارج، وقد يؤدي إلى بدء وصول المساعدات من "سيدر" وسواه، فيبدأ الانفراج.

***

هنا يكمن استحقاق الانتفاضة. أي خيار هو الأفضل للبلد والانتفاضة والشباب الذين شبكوا أيديهم على امتداد ​الشاطئ اللبناني​ لتأكيد التضامن من أجل الوطن و​المستقبل​.

ونحن نفكِّر مع الناس: ما الطريقة الأفضل لإنقاذ البلد وتجنّب الأسوأ؟ فهؤلاء الناس هم أهلنا، والشباب هم أولادنا، والبلد لنا جميعاً وإنقاذه مسؤوليتنا جميعاً.

ولكن، هل أولئك الذين في السلطة يحملون هذا الهاجس ويشغِّلون أفكارهم في الإنقاذ، أم إنهم منصرفون إلى ابتكار الأساليب لتنفيس الانتفاضة وتيئيسها؟

لو إنكم تفكّرون في المصلحة الوطنية بمقدار ما تفكّرون في مصالحكم الخاصة لكنا بألفِ خير…

هل تفكِّرون بحماية أموال الخزينة والليرة، أم بتهريب المزيد من أموالكم إلى الخارج في شكل ودائع مصرفية مشفَّرةً، لئلا يكشفها أحد، وفي شكل أسهم وشركات وعقارات؟

هل تفكّرون برواتب الناس، وقد بلغْنا آخر الشهر، أم هذا "آخر هَمٍّ على قلوبكم"؟

وإذا كان ​القطاع العام​ قد دبَّر حاله ورواتبه لهذا الشهر، فماذا عن لقمة غالبية الناس الذين هم في ​القطاع الخاص​... والذين لا يقبضون ليرة إلا إذا اشتغلوا… إذا قبضوها؟!

***

مهما طال الوقت، فإن مسمار ​الفساد​ قد اهتزّ. وعلى السلطة التنفيذية أن تعرف ذلك وتبادر، وإلا فإن التاريخ شاهدٌ.

والأوطان لا تبنى بالفوضى، بل بالاحتكام إلى ​الدستور​ والقانون، وبواسطة المؤسسات. وهذه المؤسسات ما زالت قائمة عندنا، على رغم كل الشوائب.

وهل ما زال في هذه السلطة رجال شجعان، ولو أقلية، ويمتلكون الإرادة؟

إذا وُجِدوا، فليأخذوا الأمور على عاتقهم ويطرحوا الحلّ. وبالتأكيد، لا تخلو أفكارهم من حلولٍ ناجعة، وقبل فوات الأوان…

***

ولكن، للصراحة، لا يمكن أن يكون الحلّ على طريقة الورقة التي سميت "إصلاحية"، وهي ورقةُ خريفٍ سقطت سريعاً ولم تقنع أحداً.

وللصراحة أيضاً، على الذين ورّطوا البلد أن يتحملوا مسؤولية الإنقاذ. وليعلموا أن الكرة في ملعبهم وحدهم، لا في ملعب الناس الذين تكويهم نار ​الفقر​ والجوع والمرض والإحباط!

هؤلاء، هم الذين يفتحون أبواب البلد على المجهول، ويعرّضونه لرياح الأجندات الخارجية ومخاطر الآتي الأعظم…

كُفوا يا جماعة عن لعب دور النعامة. فالرمال لم تعد قادرة على تغطية الرؤوس…