وفي اليوم الرابع عشر على الانتفاضة، "انقشع الجو السياسي" نسبياً، وتحسنت الرؤية، وأصبح بالامكان إجراء عملية تقويم لما جرى، ووضع "خارطة طريق" لما يمكن ان يجري، توصلاً الى إخراج ​لبنان​ من المأزق الذي ادخله فيه بعض قصيري النظر سواء أكانوا من السلطة التنفيذية أو من خارج السلطة التنفيذية، من السياسيين.

***

في تقويم ما جرى ان الايام الثلاثة عشر التي مرّت، منذ اندلاع الانتفاضة في 17 تشرين الأول الجاري، أثبتت بما لا يقبل الشك ان الشعب اللبناني، صاحب الانتفاضة الحضارية من دون منازع، هو شعب جبار، حيوي، لا يهادن ولا يستكين ولا يتعب.

راهنوا على انه لم يعد بمقدوره ان يرفع صوته... راهنوا على انه أصبح يرضى بكل شيء، راهنوا على انه سيقف طوابير امام محطات المحروقات وامام الافران وامام الصيدليات ولن "يفتح فمه"، لكنهم اكتشفوا، ولو متأخرين، ان هذا الشعب قادرٌ على نفض الرماد والانتفاض مجدداً، بهذا المعنى ممنوع على أي سياسي ان يقول انه "أبُ" هذه الانتفاضة... هذه الانتفاضة هي "الابنة الشرعية " لنواب كرام احرار، انتفضوا من قلب مجلس النواب، ولمفكرين كبار، ولشاشات التلفزة التي اظهرت الصورة الحقيقية للانتفاضة.

منذ ثلاث سنوات كتبنا نبض الشارع ومعاناة المواطنين.

وهنا نفتح مزدوجين لنقول ان هذه الصفحة، وبكل تواضع، كانت احدى ادوات الانتفاضة مع قرائها، فلم نُفاجأ بما جرى، بل كنّا لنُفاجأ لو لم يجر ما جرى.

***

نفتح المزدوجين لنُذكِّر بعشرات مقالات هذه الصفحة والتي كانت تُركِّز على الواقع على الأرض وعلى القوانين التي يُفترَض ان توضع موضع التنفيذ لا ان تبقى في الإدراج.

كم عوتبنا! وكم من مرة كان يُقال لنا: "لماذا تحملون السُلَّم بالعَرْض"؟ كان جوابنا: "الموضوع ليس موضوع سُلَّم بالطول أو بالعرض... الموضوع بات معاناة شعب وعَوَز وحاجة وآفاق مسدودة".

***

أيُّ ملف جرى فتحه ووصل الى خواتيمه السعيدة؟

النفايات،

السوق الحرة في مطار بيروت،

الهندسات المالية،

"القروض" الميسرة جداً من مصرف لبنان التي أُعطيت لنافذين من دون أي معيار يتعلّق بحاجتهم الى مساعدات أو هبات أو قروض، واللائحة تطول، ولكن لم يصل أي ملف من هذه الملفات الى خواتيمه السعيدة! لماذا؟ لأن العدالة بطيئة والنافذين لهُم اليد الطولى في عرقلتها، وهذا ما حصل في أكثر من ملف.

***

لهذه الأسباب مجتمعةً، ولغيرها، لم يجد هذا الشعب البطل سوى النزول الى الشارع ليقول للمسؤولين: "كفى... كفى... كفى...".

***

وبعد ثلاثة عشر يوماً التي انتهت بانتصار الانتفاضة من خلال سقوط الحكومة... لا بد للإنتفاضة ان تبقى على درجة عالية من الجهوزية والوعي والاستنفار لئلا تشعر السلطة بأنها أصبحت مرتاحة وبأن بإمكانها ان تتراخى. فهذه السلطة في الإجمال لديها دائماً ميلٌ الى التراخي، وهي لم تتحرك الا بعد نزول الناس الى الشارع.

واليوم بعد فتح الطرقات واعادة فتح المدارس والجامعات، واعادة فتح المصارف والمجمعات التجارية، فالأكيد ان شعلة الانتفاضة لن تنطفئ وستبقى الشوارع والساحات على استنفارها وحيويتها ونبضها.

***

وخشية من وصول الاوضاع الى حالٍ من التراخي، فإن "خارطة الطريق" المطلوبة يُفترض ان تتألف من البنود التالية:

1- الإسراع في اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من سيتم تكليفه لتشكيل الحكومة، وهذه الشخصية يجب ان تكون حازمة وحاسمة وجريئة وغير مترددة.

2- الإسراع في اختيار الوزراء، وهنا يجب وضع معايير موحدة لاختيارهم: أولاً يجب ان يكونوا من الوجوه الجديدة، فالشعب ملّ من اشخاص ثبُت فشلهم وهدرهم وفسادهم ولن يرضى أساساً بهم.

3- يجب ان يكون العنصر النسائي ممثلاً في الحكومة بطريقة غير "استرضائية" بل وفق الكفاءة والتاريخ المهني في النجاح في ادارة المؤسسات في القطاع الخاص.

4- الاسراع في تمثيل قادة الانتفاضة من الشعب الحضاري في الحكومة سواء اكانوا قادة ميدانيين أو قادة رأي، فالانتفاضة يجب ان تُمثّل في الحكومة خصوصاً انه لولا الانتفاضة والضغط الذي حققته، لما كانت الحكومة قد وصلت الى خيار الاستقالة، ولكان البلد عالقاً في المماحكات في ظل حكومة فضفاضة مترهَّلة لا تقوى على اتخاذ قرار.

***

إذا حصلت هذه المعطيات، وبالسرعة الضرورية المطلوبة، نكون أمام مرحلة جديدة ايجابية للبنان الغد لاولادنا، اما إذا طبع المرحلة المقبلة، التباطؤ والتراخي وعدم الايفاء بالوعود. فإن الساحات ستمتلئ من جديد مع استكمال الانتفاضة.

عندها قد لا يقتصر الأمر على الانتفاضة بل قد يتطور الى ثورة ويكون الوضع نحو الفتنة التي نرفضها رفضاً قاطعاً.