لم يعد هناك من شكّ ان هيبة ​الدولة​ في ​لبنان​ قد تمّ كسرها، خصوصاً بعد التحرك الذي شهدته المناطق اللبنانيّة مساء الاربعاء الفائت، وبعد ساعات قليلة فقط على فتح الطرقات والاتفاق الذي حصل بين ​الجيش اللبناني​ والمعتصمين بوجوب الابقاء على التواجد في الشارع إنّما دون قطع اي طريق، وافساح المجال امام الناس للتنقل بحرية تامة بين المناطق. واذا كان مفهوماً ان العلاقة بين الناس والدولة باتت في ادنى مستوياتها، فإنه من غير المفهوم تهديد العلاقة مع الجيش و​القوى الامنية​، واستهداف صورتها.

فعلى الرغم من التحرك الذي عاد الجيش وقام به في ساعات الصباح التالي، اي صباح امس، فإنه كان واضحاً أن هيبة وصورة الجيش باتت على المحك. وكانت قيادة ​المؤسسة العسكرية​ قد اصدرت بياناً طلبت فيه عدم ​قطع الطرق​، بما يعني ان الجيش اخذ على مسؤوليته هذه المهمة وتنفيذها، فما معنى إعادة تحدي هذا البيان في اكثر من منطقة، وما الهدف من ذلك؟ خصوصاً وانه لم تكد تمضي سوى ساعات معدودة على الخروج من الشارع، وهو وقت غير كاف كلياً لاتخاذ اي موقف، او تلبية اي شرط او مطلب، بالمفهوم المنطقي العام في اي بلد في ​العالم​. من الخطورة بمكان التعرض للعلاقة بين الناس والجيش، لان نتيجتها ليست مماثلة لفسخ العلاقة بين المواطنين والمسؤولين. ومن المهم الاشارة الى انه بعد ما حصل، فإن صورة المسؤولين -جميع المسؤولين- من ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ الى رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ الى رئيس ​الحكومة​ المستقيل ​سعد الحريري​ وعدد كبير من رؤساء الاحزاب والتيارات والشخصيات السياسية، قد باتت مهزوزة وسيكون من الصعب ترميمها في وقت قصير، ما لم يتم العودة الى شدّ العصب الطائفي والمذهبي والحزبي، وهو امر برسم كل من تظاهر ونزل الى الشارع ليتخذ قراره بالتخلي عن هذه الوسائل او العودة اليها. وتطرح علامات استفهام عديدة بالاصل حول التحركات التي شهدها الشارع بعد ​استقالة الحريري​، واسهمه المرتفعة للعودة الى ترؤس الحكومة ​الجديدة​ وكأنّه خارج نادي "كلّن يعني كلّن".

قد تصطلح العلاقة مع المسؤولين والسياسيين او لا، ولكن هذا الامر لا يجوز التفكير فيه مع الجيش والقوى الامنيّة، لانه سيعني حتماً انهيار لبنان. كيف سيكون المشهد برأي من يستهدف صورة وهيبة الجيش والقوى الامنية اذا تم اعتماد سيناريو الشوارع؟ ماذا لو نزل الشارع الحزبي والمؤيد للسياسيين للمواجهة (حتى سلمياً ودون حصول ضربة كف)، على غرار الانقسام السياسي الكبير الذي شهدته البلاد عام 2005؟ هل من شك ان الوحيد القادر على ضمان عدم الوصول الى الانفلات والفوضى هو الجيش اللبناني؟ هناك كلام كثير عن تصفية حسابات سياسية ومواجهات في هذا المجال بين ​قيادة الجيش​ وعدد من المسؤولين، وبغض النظر عن صحّة هذا الكلام من عدمه، من المهم جداً ابقاء ​السياسة​ خارج اطار المؤسسة العسكريّة، لانّ البديل هو الخراب للجميع وليس لفئة دون اخرى.

حذار المسّ بصورة الجيش وهيبته، وحذار جرّه الى حلبة المواجهات السياسية، فعندها لن يكون من مسؤول يحكم لبنان سوى الفوضى، ولن تنفع المحسوبيات على ​الطوائف​ والقوى المحلية والاقليمية والدولية، وسيدخل لبنان النفق المظلم الذي دخلت اليه دول مجاورة ك​سوريا​ و​العراق​ و​ليبيا​ وغيرها... نعم، انها رسالة تحذير وتخويف مما ينتظرنا اذا ما كان السيناريو المرتقب هو التعرض واستهداف صورة المؤسسة العسكريّة، فلا تنفع الاشادة بالجيش وبعناصره من جهة، وتقويض كلمته من جهة ثانية حتى ولو كانت المسألة تتعلق بأهداف اجتماعية وحياتية، لانه لن تنفع ​الحياة​ في وطن مشرذم يسوده الفلتان.