كالمعتاد مرة جديدة تدفع ​طرابلس​ ثمن إنتمائها العقائدي، وموقعها الخغرافي، وتركيبتها الديموغرافية .. مرة جديدة تستغل الحالة الاجتماعية المتردية للسواد الأعظم من أبنائها، لإقحامهم في الصرعات المذهبية في الداخل ال​لبنان​ي، والمنطقة أيضاً، مرة جديدة تستخدم القوى المؤثرة في الشارع السني، وعلى رأسها حزب "​المستقبل​"، عاصمة ​الشمال​، كساحةَ لتصفية الحسابات الداخلية، وصندوق بريد لإيصال الرسائل السياسية التصعيدية النارية، من خلال إستعادة إطلاق الخطب التحريضية، وإثارة النعرات المذهبية، التي كان يلجأ اليها، أي "المستقبل"، عادة قبيل أي استحقاق انتخابي، أو اذا كان في صدد التحضير لتجمع شعبي، كتلك التجمعات التي كان يقيمها، في الحقبة الزمنية التي تلت استشهاد الرئيس ​رفيق الحريري​، وصولا الى تسوية ​الدوحة​ في العام 2008، ودائما من خلال استثارة عواطف أهل ​السنة​، لاسيما راهناً بعد تراجع شعبية "الأزرق" في كل المناطق السنية على امتداد الجغرافيا اللبنانية، بحسب ما أثبتت ​الانتخابات النيابية​ الأخيرة.

وما يثير الاشمئزاز أن أنصار "الحريري "، لم يتعظوا من تجارب الماضي، بل عادوا الى "سلوكهم الشاذ"، من خلال التطاول على أعلى المقامات الرسمية والدينية، وفي الطليعة ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، كما تعرضوا سابقاً، لمقام الرئاسة الأولى في عهد الرئيس العماد ​إميل لحود​.

كذلك استعادوا المشهد المقزز، الذي أطلقوا عليه في حينه تسمية "يوم الغضب"، غداة الخروج الدستوري للرئيس ​سعد الحريري​ من السرايا الكبيرة في العام 2010، فكرروا ممارساتهم الميليشوية، من خلال ​قطع الطرق​ بالاطارات المشتعلة، وتسيير مواكب للدراجات النارية في عدد من المناطق، في شكلٍ استفزازيٍ، في محاولة لضغط في الشارع على فريق ​المقاومة​ و​التيار الوطني الحر​، لتذكية أسم الحريري، وتكليفه تشكيل ​الحكومة​ المرتقبة مجدداً.

وفي هذا الصدد، تؤكد مصادر عليمة قريبة من الفريق المذكور، أن العودة الى استخدام الشارع لتحقيق غاياتٍ سياسيةٍ، لن تجدي نفعاً، "فلكل فريقٍ شارعه"، محذرة من كارثة التصادم في الشارع، كما حدث في الأيام القليلة الفائتة في ​وسط بيروت​، ومؤكدة أن هذه الممارسات لن تجلب الى اللبنانيين الا المزيد من تدهور حالتهم الاجتماعية والمعيشية، والامعان في ضرب ​الاقتصاد اللبناني​، من خلال تقطيع أوصال البلد. والأكثر من ذلك، تنقل المصادر عن المعنيين أن "لعبة الشارع" تتهدد التسوية السياسية القائمة، التي عاد الحريري بموجبها الى الحكم، وقد يخرج منه ومن ​الحياة​ السياسية برمتها، في حال استمر وفريقه السياسي على غيه، لأن الحكم في لبنان لايقوم الا على الشورى والشراكة بين مكوناته، على حد تعبير المصادر. وتجزم بانتهاء مفاعيل هذه اللعبة، وتأثيرها في مسار تأليف الحكومة ​الجديدة​.

بالعودة الى تطورات الساحة الطرابلسية، وفي سياق مسألة استخدام الشارع، فالأشد خطورة مما ذكر آنفا، هو ركوب بعض الجهات الخارجية، بالتواطؤ مع بعض المتآمرين في الداخل، موجة ​الاحتجاجات​ الشعبية، ومحاولة حرفها عن مسارها، كما حدث في الأيام القليلة الفائتة في ​ساحة عبد الحميد كرامي​ في طرابلس، يوم تحولت هذه الساحة، منبراً لشتم المقاومة وسيدها، ومنصة لنصرة المسلحين الإرهابيين التكفيريين في إدلب.

وهنا تحذر مصادر متابعة بدقة لمجريات الأوضاع في لبنان والمنطقة، أن إنحراف الاحتجاجات الشعبية عن مسارها، أو محاولة حرفها، قد يجر الويلات الى طرابلس ولبنان، خصوصاً في ضوء تحضيرات ​الجيش السوري​ وحلفائه، لدخول إدلب وتطهيرها من رجس ​الارهاب​، ما قد يدفع الجهات الدولية الراعية للإرهابيين، بنقل عدد منهم الى طرابلس، لاستهداف ​حزب الله​، وإرباك الساحة اللبنانية عموماً، خصوصاً في ضوء الصراع المحتدم بين المحور الأميركي – الخليجي، ومحور المقاومة على امتداده من ​إيران​ مرورا بسورية و​العراق​ وصولاً الى لبنان.

وفي السياق عينه، كشفت معلومات أن هناك مساعٍ الى استنساخ "نموذج" تجربة حمص، في بداية ​الأزمة السورية​، في طرابلس، من الجهات عينها الشريكة في الحرب على الجارة الأقرب، وبالمال عينه، وبدا ذلك من خلال تكرار الشعارات التي أطلقت في حمص سابقا، "كطرابلس أيقونة ​الثورة​" على سبيل المثال.

وتشير المعلومات الى أن الاختيار وقع على الفيحاء في استكمال الحرب على المقاومة، نظراً الى أوضاعها الديموغرافية والجغرافية والاجتماعية، فهي ذات الغالبية السكانية من المسلمين السنة، الذي عمل الاعلام الغربي وبعض المحلي، كذلك بعض التيارات على تحريضهم على محيطهم في سبيل تعزيز الاصطفافات المذهبية منذ العام 2005، وهي أيضاً قريبة من الحدود السورية، وتضم عدداً كبيراً من ​النازحين السوريين​، بينهم أعضاء فاعلين في التنظيمات السورية المتطرفة، "كجماعة الأخوان المسلمين"، ويحظى هؤلاء، برعاية من عدد الجمعيات المستفيدة جداً من أزمة النزوح، كذلك قد تستغل الحالة الاجتماعية الرديئة، للسواد الأعظم من ​الشباب​ الطرابلسي، والممزوجة بالتحريض المذهبي، خصوصاً أبناء المناطق الشعبية، لإقحامهم في الصراعات المذهبية مجدداً، ولاتزال تجارب جولات إشتباكات محاور ​باب التبانة​ و​جبل محسن​، وحوادث ​7 أيار​ ماثلة أمام العيون.. فاقتضى التحذير.