سأل مصدر وزاري، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، عن صحّة ما يُشاع حول انطلاق جولة من المشاورات السياسيّة تسبق الاستشارات المُلزمة الّتي سيجريها رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ مع ​الكتل النيابية​ لتسمية الرئيس المكلف ​تشكيل الحكومة​ الجديدة، لافتًا إلى أنّ "لا مبرّر لها وتتعارض مع روحيّة وثيقة الوفاق الوطني الّتي أقرّها مؤتمر الطائف في ​السعودية​".

وأكّد أنّ "ما يتردّد عن وجود 3 خيارات تتحكّم في تسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، ما هي إلّا بمثابة "حرتقات سياسيّة" لن تُقدّم أو تؤخّر في المسار الدستوري للاستشارات النيابية المُلزمة، بمقدار ما أنّ من يستحضرها يتطلّع إلى الضغط على رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ لانتزاع تنازلات منه تتعلّق بتشكيل الحكومة". وركّز على أنّ "لا جدوى من التعامل مع هذه الخيارات كأنّها واقعة لا محالة وتبدأ بتسمية الحريري رئيسًا للحكومة، وفي حال تعذّرت تسميته يترك له اختيار البديل من بيئته السياسيّة، وإلّا لا مفر من اعتماد الخيار الثالث بتسمية رئيس حيادي".

وبيّن المصدر الوزاري أنّ "الحريري لن يُقدم على تسمية رئيس للحكومة من بيئته السياسيّة"، موضحًا أنّ "الخيار الثالث- أي تسمية رئيس حيادي- لن يُصرف سياسيًّا لا في الداخل ولا في الخارج"، مشدّدًا على أنّ "ما يتردّد عن وجود مثل هذا الخيار، ما هو إلّا محاولة للهروب إلى الأمام". وعزا السبب إلى أنّ "الحريري لا يتزعّم "​تيار المستقبل​" وثاني أكبر كتلة نيابية فحسب، وإنّما يُعدّ الزعيم السياسي الأول في طائفته، وبالتالي من غير الجائز مساواته برئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​، وإنّما بالرئيس عون ورئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​".

وذكر أنّ "الحريري لم يعقد صفقة سياسيّة مع باسيل وإنّما مع عون، ولهذا السبب، فإنّ مجرّد المساواة يعني أنّ هناك من يضغط لإحداث خلل ميثاقي، وهذا سيرتدّ سلبًا على من يحاول تبنّي مثل هذه المعادلة التي تفتقد إلى التوازن". ونقل المصدر عن قطب نيابي بارز قوله إنّ "هناك من يلعب في الوقت الضائع ويحاول من خلال طرحه أسماء مرشحين للرئاسة الثالثة، الضغط على الحريري أو ابتزازه، لكنّه سيكتشف لاحقًا أنّ هناك صعوبة في تسويق اسم آخر بديلًا عن الحريري".

كما نقل عن القطب إنّ "هناك ضرورة لعودة الحريري إلى ​رئاسة الحكومة​، لأنّه الأقدر على استيعاب الشارع ومخاطبة ​المجتمع الدولي​، وأيضًا ​الدول العربية​، رغم أنّ ​لبنان​ يدخل حاليًّا في مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة الّتي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول الماضي، وهو التاريخ الّذي شهد انطلاقة "​الحراك الشعبي​".

ويعتقد القطب النيابي، بحسب ما ينقل عنه المصدر الوزاري، أنّ "لا مانع من التعامل بانفتاح وبمرونة مع هذا الحراك لدى البحث في التشكيلة الوزارّية فور تسمية الرئيس المكلف تأليفها وصولًا إلى تمثيله فيها، خصوصًا أنّ الانقسام العمودي بين "قوى ​14 آذار​" و"​قوى 8 آذار​" أصبح من الماضي في ضوء الاصطفاف السياسي الجديد الّذي فرضه الحراك الشعبي".

إلى ذلك، كشف المصدر الوزاري أنّ "بري لم ينقطع منذ استقالة الحكومة عن التواصل مع الرئيس عون والحريري"، مشيرًا إلى أنّ الأخير "يلتقي من حين لآخر شخصيّات سياسيّة مقرّبة من رئيس الجمهورية". وأكّد أنّ "الأمين العام لـ"​حزب الله​" السيد ​حسن نصرالله​ لم يبادر في خطابه الأخير إلى رفع السقوف السياسيّة، وإن كان لم يتطرّق لا سلبًا ولا إيجابًا إلى الحريري، وأنّه حاول الانفتاح على الحراك الشعبي، مع تحفّظه عن وجود محاولة لـ"حرفه عن مطالبه المحقّة".

وحذّر من "التعاطي مع الحريري على أنّه ليس أكثر من مظلّة لتأمين التواصل مع الدول العربية والمجتمع الدولي، لأنّ لا قدرة للآخرين على تأمينها"، منوّهًا إلى أنّ "من يحاول حصر دوره برئاسة "حكومة للآخرين"، سيصطدم فورًا بموقف حاسم منه". ولفت إلى أنّ "من يلوّح بوجود أكثر من بديل للحريري على رأس الحكومة، سيكتشف أنّ معظم المرشّحين الّذين يتواصلون مع الفريق الوزاري والنيابي المحسوب على باسيل يفتقدون إلى المواصفات الّتي يتمتع بها زعيم "تيار المستقبل".

وتوقّف المصدر ذاته أمام إمكانيّة المجيء بحكومة مختلطة من اختصاصيين (تكنوقراط) وسياسيين، وسأل "ما إذا كان يمكن تسويق باسيل وزيرًا في الحكومة العتيدة، في ضوء علاقته المشتعلة بجميع القوى السياسيّة باستثناء حليفه "حزب الله"، أم لا؟". ورأى أنّ "مجرّد الموافقة على توزير باسيل في حكومة برئاسة الحريري يعني أنّها ستولد معطوبة، كونها ستلقى معارضة في الشارع الّذي ينظر إليه على أنّه من الوجوه النافرة، وأنّ وجوده فيها لا يؤدّي إلى تبريد الأجواء بمقدار ما يسهم في رفع منسوب الاعتراض ويدفع باتجاه توترات سياسيّة وشعبيّة".