فيما الانتفاضات المليونية تلف الشوارع، كثرت النظريات "بالمقلوب" حول نواة الوزراء قبل تسمية رئيس ​الحكومة​.

العلم ال​لبنان​ي هو وحدة الشعب. هذا هو ​الشعب اللبناني​ العظيم الأصيل نفسه... يناضل في كل الساحات.

هذا الشعب اللبناني هو نفسُه الجائع، المنهَك، العاطل عن العمل، الواقف على أبواب ​المستشفيات​، وعلى أبواب ​الجامعات​، وعلى أبواب السفارات طلباً لمكان صالح للعيش في هذا ​العالم​.

إنه بكل بساطة: الشعب المنتفض المنهوب والمأكول من هنا وهناك وهنالك. الذي قال "لا" قوية من أجل استعادة الأموال المنهوبة على مدى عقود.

هذا الشعار باتت تطالب به كل الساحات. إذاً، فليعرف الجميع أنه الاستحقاق الأساسي، وأن الشعب لن يتراجع عنه بعد اليوم، مهما حاولوا إلهاءه أو إسكاته.

بعد اليوم ادرسوا حساباتكم على هذا الأساس.

لم تعد مناوراتكم تنفع، ولم يعد رمي اللوائح الملغومة عن فاسدين وناهبين تنفع في ذر الرماد في العيون:

اللوائح الحقيقية موجودة وكاملة وغير منقوصة.

وأرقام المبالغ وأحجامها معروفة ومعروفٌ "خط سيرها" من ​المصارف اللبنانية​ الى حسابات في ​سويسرا​ واللوكسمبورغ وجزر الكايمن وغيرها.

العالم بات مزوداً بـ Network لم يعد بالإمكان التفلت منها... يعرف اختصاصيو هذا العالم مسار كل ​دولار​ من لحظة طباعته الى المكان الذي يستقر فيه. ويعرف هؤلاء الاختصاصيون كل التحويلات ومن أين تنطلق؟ والى أين تصل. وعليه فعبثاً التلطي وراء لوائح وهمية غير دقيقة، وتُنشر غب الطلب.

***

غريب عجيب. كيف تريدون اليوم أن تعمِّروا الطابق الرابع قبل الطابق الأول؟

كيف تريدون الاتفاق على الحكومة وشكلِها وبرنامجِها قبل تسمية الشخص المكلف تشكيلها؟

أليس الوقت "محشوراً شوي"، ولا مجال ولا ترف للتأخير؟

***

في الأحوال العادية، يستغرق تشكيل الحكومات أشهراً عدّة. والحكومة المستقيلة "حَبِل" بها ​اللبنانيون​ 9 أشهر كاملة حتى ولدت "بخير وسلامة".

خلال هذه الفترة، كان أصحاب الشأن "يتسلّون" بالخلاف على وزير من هنا وحقيبة من هناك طوال أسابيع وأشهر، ويستمتعون بكامل وقتهم. وبصراحة، لولا حاجتُهم جميعاً إلى استدرار الأموال من جماعة "سيدر"، لطالت المراوحة أكثر فأكثر بلا حكومة!

واليوم، يقولون: نريد أن نتفق على كل ​تفاصيل​ نواة وزراء الحكومة العتيدة قبل تسمية رئيسها.

وواضح أن هذا يعني أنهم ينوون الذهاب إلى مرحلة مفتوحة من المماطلة، بأعذارٍ لا تُقنع هذا الشعب على اختلاف ساحاته، الذي هو شعب الانتفاضة.

***

… ولكن، حذارِ التمادي بالنهج القديم البائد، والذي أودى بالبلد إلى الخراب.

حذارِ الاستمرار في محاولات تبييض الصورة، فيما الشعب يرى هذه الصورة بوضوح كلّي، ويعرف كيفَ صار بضع عشراتٍ من الناهبين أثرياء جداً جداً من لقمة الناس…

فالبلد صغير، وكل الناس "بتعرف بعضها".

***

يقول الوزير السابق، الصديق والمصرفي العريق مروان خيرالدين، في تغريدة على "تويتر": "لقد نجحت المصارف في احتواء قلق الناس في أول يومي عمل، بعد إقفال دام أسبوعين. لكنني أحذّر من أن المماطلة في تشكيل حكومة تنال ثقة اللبنانيين، لا السياسيين، سيكون لها أثر سلبي على السوق. وأدعو الجميع، بدءاً من فخامة الرئيس إلى آخر حزب يتعاطى في التشكيل إلى الإسراع وبلا شطارة لو سمحتم".

نعم. هذه هي الحقيقة كما يكشفها ادمغة خبراء اقتصاديون والحريصون على البلد. فهؤلاء بعلمهم وخبرتهم وسعة الأفق التي يتمتعون بها يدركون أن ​سياسة​ التجاهل ستقود البلد إلى الآتي الأعظم!

***

هل يعرف أصحاب الحلّ والربط ما كلفة إضاعة الفرصة السانحة اليوم للحل؟

هل يعرفون ما يمكن أن يحدث إذا شعر هذا الشعب المنتفض المليوني الحضاري أنه يتعرض لتأخير الاستشارات الملزمة؟

فهل يتحمّلون ثورةً في لبنان لا أحد يعرف كيف تبدأ وكيف تنتهي، وأي تداخلات تطرأ عليها، وكم ستكون أكلافها على البلد؟

***

الاستشارات النيابية​ الملزمة كان يجب أن تتم خلال 24 ساعة بعد استقالة الرئيس ​سعد الحريري​.

فلماذا لا تبدأ هذه الاستشارات اليوم، وتتمّ التسمية، وبعد ذلك يتقرّر شكل الحكومة وبرنامجها وفق الآليات الطبيعية.

البلد يشبه مريضاً في غرفة العناية الفائقة، حرارتُه 41 وشرايينه تكاد تنفجر وهو عاجزٌ عن ​التنفس​، وأنتم جالسون حوله تتناقشون في البدلة التي يجب أن يرتديها يومَ العيد!

***

ولكن، لا...

فالشعب اللبناني العظيم الأصيل غمَرَ امس الساحات، وجاءت الأفواج كالأمواج لتقول: نحن هنا!

***

عجِّلوا في الاستشارات. سمّوا رئيساً للحكومة. وهو عليه أن يختار الوزراء الذين يحملون برنامجاً عنوانه الأول استرجاع الأموال المنهوبة، والمهرّبة إلى الخارج بأشكال مختلفة، كودائع وأسهمٍ وشركات وممتلكات عقارية وسوى ذلك.

بعد الانتفاضة المليونية أعظم شيء تبادرون اليه استعجال في الدعوة الى استشارات التكليف.

فحذار استفزاز الشعب الى حد وصوله الى حافة الانتقال من الانتفاضة الى ​الثورة​.