منذ اليوم الأول لبدء ​الحراك الشعبي​ في الشارع، لم يتوقف الجدل بين المجموعات المؤثرة حول جدوى عمليات ​قطع الطرقات​، لا سيما مع إرتفاع النقمة الشعبية منها، لكن هذا الواقع بدأ يتبدل بعد ما حصل على الطرقات، يوم أمس، حيث لم تعد بعض المجموعات تتردد في التعبير عن موقفها الرافض لهذه الخطوة، نظراً إلى أنها لا تصب في خدمة أهدافها، خصوصاً ما يتعلق منها بالمطالب الإجتماعية والإقتصادية، بل في خدمة أهداف بعض الأحزاب السياسية التي ركبت الموجة.

في الأيام الأولى، كانت معظم المجموعات المشاركة في الحراك ترى أن من الضروري الإستمرار في عمليات قطع الطرق، لما تشكله من قوة ضغط على الأحزاب المشاركة في السلطة، وترفض البحث في التجاوزات التي تحصل على بعض الطرق الرئيسية والفرعية، على قاعدة أن الشذوذ هو إستثناء، خصوصاً أنها تفتح أمام القوى العسكرية والأمنية وسيارات الصليب الأحمر والدفاع المدني والحالات الإنسانية، لكن بعض هذه المجموعات كانت، اليوم، تطرح علامات إستفهام حول ما يحصل فعلياً على أرض الواقع، خصوصاً أن هذه التحركات تأخذ في معظم المناطق الطابع الحزبي.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على ما يجري من مشاورات، عبر "النشرة"، إلى أن أحد الأحزاب السياسية الفاعلة كان قد قطع وعداً، قبل نهاية الاسبوع الماضي، بعدم إقفال طريق الجنوب، وتلفت إلى أن تقديم هذا الوعد، بالرغم من عدم الإلتزام به، يدفع إلى السؤال عن الجهات التي تقوم بعمليات الإقفال، خصوصاً أن بعض المجموعات باتت معروفة بإرتباطاتها السياسية، وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلى الإختباء وراء الأصبع في هذا المجال، وتضيف: "في الأصل القوى غير الحزبية في الحراك لم تتوجه إلى إقفال الطرقات منذ إستقالة الحكومة".

من وجهة نظر هذه المصادر، بعض الأحزاب السياسية، خصوصاً "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" وحزب "القوات اللبنانية" و"​تيار المستقبل​"، تسعى إلى فرض رأيها في الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف إنطلاقاً من ضغط الشارع، أي أنها هي المستفيد الأول من عمليات قطع الطرق التي تحصل، وتلفت إلى أن السرعة التي تمت بها هذه العملية في بعض المناطق، فجر الاثنين، تؤكد على أنها كانت منظمة ولا يمكن أن تكون عفوية من قبل متظاهرين لا خلفيات سياسية لهم.

وفي حين توضح المصادر نفسها أن هذه الأحزاب تريد اليوم الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، التي أعطت أكثرية نيابية واضحة لقوى الثامن من آذار و"​التيار الوطني الحر​"، عبر طرح تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج القوى والشخصيات السياسية برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​، تشير إلى أن هذا الواقع لا يبرر حالة التردد التي تطغى على موقف الأكثرية النيابية، التي على ما يبدو منقسمة حول الموقف المناسب، بسبب الخلافات بين أغلب أركانها، لكنها في المقابل تعتبر أنه يجب على الحراك المبادرة إلى أخذ قرار واضح بشأن ما يحصل.

على هذا الصعيد، تكشف المصادر المطلعة على ما يجري من مشاورات عن توجه إلى إعلان موقف واضح من قبل القوى الأساسية المشاركة في الحراك الشعبي، يرفع الغطاء عن عمليات قطع الطرقات التي تحصل من قبل بعض الأحزاب، مع توجيه بوصلة التحركات نحو أماكن أخرى تكون مفيدة في خدمة الأهداف الإقتصادية والإجتماعية، لكنها تؤكد أن هذا الموقف لم يحسم بعد، نظراً إلى الخوف الذي يعتري البعض من الإنقسام الذي قد يحصل في الشارع.

في المحصلة، لا تتردد هذه المصادر في التأكيد أن تداعيات عمليات قطع الطرقات باتت ترتد سلباً على الحراك، لأنها لم تنجح إلا في زيادة درجة الإحتقان الشعبي لدى المواطنين، ترجمت بحصول العديد من الإشكالات الفردية، التي من الممكن أن تزداد في حال الإستمرار بهذا النهج، الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة بشكل لا تحمد عقباه في حال حصوله، في ظل الدعوات التي تزداد إلى فتحها بالقوة.