منذ نحو اسبوع، كان من الواضح أن عملية ​قطع الطرقات​ لم تعد مفيدة بالنسبة إلى ​الحراك الشعبي​ الذي ولد في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، لا سيما بعد إستقالة ​حكومة سعد الحريري​ الثالثة، لكن لم يكن لأحد من القوى الأساسية في الحراك جرأة الإعلان عن هذا الأمر بشكل حاسم، خصوصاً أن الجميع بات يعلم أن بعض القوى الحزبيّة، التي سعت إلى ركوب الموجة للإستفادة على المستوى السياسي، هي من كان يقف وراء هذه العمليّات بشكل أساسي.

إنطلاقاً من هذا الواقع، برز التحول على مستوى بعض المجموعات الفاعلة في الحراك، في ساحتي الشهداء ورياض الصلح تحديداً، لناحية الدعوة إلى التوقف عن عمليات قطع الطرق على المواطنين، والاتّجاه نحو خطوات أخرى قادرة على توجيه رسائل قاسية إلى الطبقة السياسية، المسؤولة عن السياسات الإقتصاديّة والإجتماعيّة المعتمدة منذ سنوات طويلة.

في هذا السياق، ترى مصادر مواكبة، عبر "النشرة"، أنّ هذا التحول يصب في خانة الحراك الحقيقي إلى حدّ بعيد، نظراً إلى أنّه يسمح في فصل مطالبه عن رغبات القوى السياسية، التي كانت تسعى إلى إستخدام الشارع في المفاوضات القائمة حول تسمية رئيس ​الحكومة​ المكلف وتأليف هذه الحكومة، في ظلّ التوجّه الواضح عند القوى الأساسيّة في الحراك إلى عدم الدخول في أيّ مفاوضات.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ الواقع الجديد، بعد تولي ​الجيش​ والقوى الأمنيّة إعادة فتح مختلف الطرق التي كانت مقطوعة، يفرض تغييرا على مستوى الأحزاب السياسية، إذ وجب عليها التعامل بواقعية مع التطورات، وبالتالي عدم الدخول في أيّ مفاوضات إنطلاقاً من قوّة الشارع التي تسعى إلى الحديث باسمه من جهة، والتسليم بأنها غير قادرة على مصادرته من جهة ثانية، نظراً إلى مشاركته في السلطة على مدى سنوات طويلة، أي أنها جزء من القوى التي توجه لها الإتهامات.

في المقابل، تعتبر المصادر نفسها أن الواقع نفسه يفرض تحدياً على الحراك الشعبي، نظراً إلى أنه قرر التخلّي عن الورقة الأبرز التي كانت بين يديه، أيّ عملية قطع الطرق، بعد التداعيات السلبيّة التي ظهرت نتيجة التمسّك بها، وبالتالي بات عليه البحث عن وسائل أخرى قادرة على أن تفرض وجوده في المشهد العام، خصوصاً أن الكثير من المواطنين لا يريدون أن يخسروا هذه القوّة التي نجحت في دفع كل القوى السياسية إلى مراجعة حساباتها من جديد.

من وجهة نظر المصادر المواكبة، اليوم بات على الحراك أن ينتقل إلى المرحلة الثالثة من التحركات، خصوصاً إذا ما نجح في الحفاظ على قوّته وإبعاد الساعين إلى ركوب موجته عنه، لا سيما بعد أن خسر جزءاً من جمهوره نتيجة تجاهله الدعوات أو الأسئلة التي كانت توجّه له، والتي تفرض عليه عدم الخروج من الشارع بل أنْ يكون قوّة ضغط تسعى إلى فرض برنامج محدّد على القوى السياسية، أو على الأقل قادرة على منع العودة إلى النهج السابق الذي كان معتمداً على مدى سنوات طويلة.

في المحصّلة، تشدّد هذه المصادر على أن القيادات الفاعلة في الحراك الشعبي بات عليها مسؤوليّة كبيرة، لا يمكن لها بعد اليوم أن تتجاهلها بحجة أنّ البلاد في مرحلة "ثورة"، كي لا تفقد ما حققته على مدى 20 يوماً.