أبلغت مصادر عسكريّة رفيعة المستوى، إلى صحيفة "الجمهورية"، أنّ "​الجيش اللبناني​ اتّخذ قرارًا حاسمًا بفتح الطرق المقطوعة، وقد جرى تنفيذه أمس بحزم، على قاعدة تحصين الأمن وحماية حقّ المواطنين في التنقّل، إنّما مع الاستمرار في احترام حقّ التظاهر سواء في الساحات أم على جوانب الطرق".

وشدّدت على أنّ "الجيش لم يقمع المتظاهرين، بل هو حريص على حماية حقّ التظاهر، بمقدار حرصه على إبقاء الطرق العامة مفتوحة، والمطلوب من المحتجّين أن يتفهّموا هذه القاعدة"، لافتةً إلى أنّ "​قطع الطرق​ أمس الأول اتّخذ منحى سيئًا لم يعد بالإمكان تقبّله، بعدما اختلط الحابل بالنابل، خصوصًا أنّ بعض المتظاهرين لجأ إلى تصرّفات نافرة ومخلّة بالأمن، من نوع طلب هويات أو فرض خوّات، إضافة إلى تعطيل أعمال المواطنين ومنع الموظّفين من الوصول إلى مؤسّساتهم وشركاتهم".

وأوضحت المصادر أنّ "الجيش توصّل إلى استنتاج أنّ الاستمرار في قطع الطرق، وما يرافقه من مشاحنات واحتكاكات بين المتظاهرين والمواطنين، أصبح يشكّل تهديدًا للأمن الوطني والسلم الاهلي، فاعتبرت القيادة أنّ هذه اللحظة تستوجب سلوكًا مغايرًا. وبالتالي صدرت الأوامر إلى الوحدات المنتشرة على الأرض بضرورة إنهاء هذا الوضع بعدما تمّ إبلاغ المرجعيّات المعنيّة بالقرار المُتَّخذ".

وبيّنت أنّ "الجيش "طوّل باله" وصبر كثيرًا خلال الأسبوعين الماضيين، معتمِدًا استراتيجيّة الحكمة والواقعية في التعامل مع ​التظاهرات​ والتجمعات، حتّى تلك الّتي تمدّدت إلى الشوارع الأساسيّة، وهو كان لغاية الأمس القريب يتجنّب الإقدام على أيّ "دعسة ناقصة" قد تفضي إلى صدام مع المحتجين، إلّا انّ الواقع اختلف الآن بعدما تفاقمت شكوى اللبنانيين من ظاهرة قطع الطرق". ولاحظت أنّ "كثرًا من المتظاهرين كانوا في السابق يؤيّدون قطع الطرق فارتأى الجيش في حينه عدم مواجهة شريحة واسعة من الشعب، وأبدى تفهّمًا لدوافع تحرّكها حتّى لو تجاوز أحيانًا الخطوط الّتي يرسمها القانون، إلّا أنّ الصورة تغيّرت لاحقًا وصار معظم المواطنين يعترضون على قطع الطرق، فتماهى الجيش مرّة أُخرى مع شعبه وتدخل لفتحها في التوقيت المناسب".

كما نفت بشدّة أن "تكون المرونة الّتي أبداها الجيش خلال المرحلة السابقة حيال ظاهرة إغلاق الشوارع، نابعة من حسابات رئاسيّة لقائد الجيش العماد ​جوزيف عون​، كما اتّهمه البعض"، مؤكّدةً أنّ "المناصب لا تهمه ولا يطلبها، بل هو ينفّذ فقط واجباته وفق ما تقتضيه الاعتبارات الوطنيّة والميدانيّة. العماد جوزف عون يحسب حسابًا لكلّ شيء باستثناء مسألة الوصول إلى ​رئاسة الجمهورية​".

ونفت المصادر أيضًا "وقوع أيّ خلاف أو تباين بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ وقائد الجيش حول كيفيّة التعامل مع المتظاهرين وإغلاق الشوارع"، مشدّدةً على أنّ "الرئيس عون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولم يحصل أن طلب من الجيش قمع المحتجين، ذلك أنّه يعرف تمامًا حساسيّة الوضع وضرورة معالجته بدقّة". وأعلنت أنّ "لا صحة أيضًا لوجود مشكلة مع رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​"، مشيرةً إلى أنّ "كلّ ما يُحكى في شأن توتّر العلاقة بين ​اليرزة​ وبعض المسؤولين أو الشخصيّات السياسيّة، لا يعدو كونه رصاصًا عشوائيًّا في الهواء".

وأفادت بأنّه "لو انسحب الجيش من الأرض لكانت الأمور قد أفلتت من السيطرة، ولو واجه المحتجّين بعنف منذ الأيام الأولى للحراك لكانت النتائج وخيمة أيضًا، وبالتالي فهو استبعد الخيارَين واختار التصرّف برباطة جأش طيلة الفترة السابقة، خصوصًا أنّ الموجودين على الأرض هم مواطنون وليسوا عصابات، لكن عندما وجد أنّ هناك ضرورة لتعديل سلوكه ربطاً بالوقائع المستجدة، بادر إلى استخدام الحزم لحماية الانتظام العام".

إلى ذلك، شدّدت المصادر العسكرية على أنّ "المعالجة الجذريّة للوضع الحالي ليست ميدانيّة بل سياسيّة"، داعيةً المعنيّين إلى "إيجاد الحلّ السياسي المطلوب".