عملياً تفسخ الحائط المسدود الذي ظهر في العلاقة بين أبرز المكونات السياسية في أعقاب إعلان الرئيس ​سعد الحريري​ استقالة ​الحكومة​، وذلك من خلال اللقاء الذي عُقد بينه وبين الوزير المستقيل ​جبران باسيل​ والذي قد يتبعه لقاء ثانٍ في أية لحظة لاستكمال ما تمّ بحثه في اللقاء الذي استغرق أربع ساعات في ​بيت الوسط​.

وعلى الرغم من الطوق الإعلامي الذي ضرب حول ما دار في هذا الاجتماع الذي تخلله غداء، غير ان مجرّد انعقاده حرّك ​المياه​ السياسية الراكدة بعد ان انقطع الرئيس الحريري عن التواصل أقله العلني مع اي طرف سياسي بعد خروجه من ​قصر بعبدا​ وتسليمه ​رئيس الجمهورية​ كتاب استقالة حكومته.

وبحسب بعض الأوساط المحيطة فإن أجواء هذا الاجتماع اتسمت بالايجابية وهو تناول المسألة الحكومية من مختلف جوانبها من التكليف إلى التأليف من دون الوصول إلى حسم أي مقترح بهذا الخصوص. لكن الاتفاق على ضرورة الخروج من ​الأزمة​ كان العنوان الأبرز لأي بحث.

وبغض النظر عمّا يُمكن ان يحدثه اجتماع «بيت الوسط» من ثقوب في جدار الأزمة، فإن ما هو متوافر من معطيات يشي بأن مسار البحث عن المخارج ربما يطول، كون ان الجميع اليوم محشور بعد ان ارتفعت السقوف ان في المطالب أو الفيتوات، وحيال ذلك ينتظر ان تنشط ​الاتصالات​ والمشاورات في بحر هذا الأسبوع في محاولة لإزالة العقبات التي تعترض عملية التأليف لاعتقاد مختلف القوى السياسية ان مسألة إطالة أمد حكومة ​تصريف الأعمال​ لن يكون في صالح أحد في ظل ​الحراك الشعبي​ الذي يضغط في اتجاه السرعة في احداث المتغيّرات.

وفي اعتقاد مصادر سياسية مطلعة ان حركة الشارع تتجه إلى الانحسار، سيما وأنه برزت في ​الساعات​ الماضية مواقف من شأنها ان تبعث الطمأنينة في نفوس الموجودين في الشارع منذ ثلاثة أسابيع لا سيما ما جاء على لسان رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه برّي​ الذي أطلق ثورة تشريعية تحاكي مطالب الحراك الشعبي من خلال استعمال صلاحياته كرئيس مجلس النواب وفقاً للمادة 38 من النظام الداخلي للمجلس، حيث وضع على جدول أعمال الجلسة العامة التي ستعقد الثلاثاء المقبل قانون ​مكافحة الفساد​، وإنشاء المحكمة الخاصة للجرائم المالية، وضمان ​الشيخوخة​، و​العفو العام​، إذ من شأن إقرار هذه المشاريع واقتراحات القوانين التي كانت من بين العناوين الإصلاحية التي نادى بها الحراك ان يهدأ الساحات ويضع الأمور في نصابها بعيداً عن الصدامات.

وترى هذه المصادر ان خطوة الرئيس برّي التي أعقبت دعوته إلى تمثيل الحراك في أي تشكيلة حكومية من شأنها ان ترضي بظلال من التهدئة على الوضع العام، وتفسح في المجال امام معالجة الأزمة المستجدة بعيداً عن أجواء التشنج والارباك.

وفي تقدير المصادر ان الأمور ذاهبة في اتجاه التفاهم على تأليف حكومة تكنوسياسية لا قدرة لأي فريق سياسي على وضع فيتو على أحد، بعد ان تلمس الجميع بأن ​سياسة​ العزل هي سياسة مدمرة وتقود إلى الكثير من المشاكل.

وحيال هذه المشهدية فإنه يمكننا القول بأننا بدأنا في العد التنازلي للتوافق على شكل الحكومة أولاً، ومن ثم على رئيس الحكومة، وهذا يعني اننا امام حركة اتصالات غير عادية، وجلسات حوارية لانضاج تسوية تقود إلى تأليف حكومة تحاكي الواقع السياسي والاقتصادي، لأن لغة الشارع لن تؤدي إلى أي نتيجة.

اما لجهة الشخصية التي ستكلف تأليف الحكومة فإن الرئيس سعد الحريري ما زال يحتل المرتبة الأولى في كل المداولات التي تجري، وان تحديد موعد الاستشارات لم يعد بعيداً، لأن هناك رغبة داخلية وحث خارجي على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة بعد ان برزت إلى العلن هشاشة الوضعين الاقتصادي والنقدي والحاجة الملحة لوجود حكومة مكتملة الاوصاف لاستكمال ما كانت بدأته الحكومة السابقة من عمليات إصلاحية من جهة وللحفاظ على ما هو محدد من ​مساعدات​ دولية ل​لبنان​ عن طريق ​مؤتمر​ «سيدر»، مع الإشارة هنا إلى ان ​الدستور​ لم يُحدّد مهلة لرئيس الجمهورية للدعوة إلى ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، وهذا يعني ان وصف البعض التأخير في الاستشارات بأنه مخالف للدستور غير دقيق، مع ان الأوضاع الاستثنائية الحالية تفرض الإسراع في اجراء هذه الاستشارات تجنباً للانزلاق إلى مخاطر الشارع.

ووفق ما هو متوافر من معلومات فإن تأخير انطلاق عجلة الاستشارات يعود إلى رغبة بعض القوى السياسية في الاتفاق على التأليف قبل التكليف، مقابل قوى أخرى ترغب في حصول التكليف قبل التأليف، وفي حال الوصول إلى توافق حول هذه المسألة فإن ​الضوء​ الأخضر للشروع في تأليف الحكومة لن يكون بعيداً.