لا يمكن لأحد أن ينكر أن ما قبل التحركات في الشارع لن يكون كما بعدها، وواهم من يعتبر أن ما حصل في عشرين يوماً في الشارع وأدى الى استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ يمكن أن يمرّ مرور الكرام...

في الأيام الأولى للتحرّكات الشعبيّة بدأت بشكل عفوي، وما بات ظاهراً للعيان أن الأحزاب السياسية حاولت أن تركب موجة الحراك هذا إن لم نتحدث عن ​العالم​ الخارجي... وبين هذا وذاك أرسل ​رئيس الجمهورية​ ميشال عون مجموعة رسائل في خطابين أكد فيهما أنه يحتاج الى ضغط الشارع للدفع نحو اقرار الاصلاحات في ​مجلس النواب​، ولم يعد خافياً على أحد أن ​الوضع الاقتصادي​ والمالي بات على شفير الهاوية.

بالعادة، كما حصل في الحكومتين اللتين تشكلتا في عهد ​الرئيس ميشال عون​ كان الأخير يدعو الى استشارات نيابيّة فوريّة وهو ما لم يحصل هذه المرّة لسبب بسيط أن التكليف والتأليف يجب أن يسيرا بشكل متوازٍ، والجمود الذي كان مسيطرا خرقه مشهد لقاء الحريري ووزير الخارجية ​جبران باسيل​، الأمر الذي يطرح جملة تساؤلات حول مصير الاستشارات والتكليف.

"ما يحدث اليوم في المشهد السياسي يمكن اختصاره "بتقطيع الوقت والمراوحة" لأنّه وبحسب المعطيات فلا تفاهم حتى ​الساعة​ بين باسيل والحريري بعد لقائهما الثاني". هذا ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي ​جوني منيّر​، مضيفاً: "يبدو أن رئيس التيّار الوطني الحرّ وفي اللقاء الأول لم ينسق مع "​حزب الله​" المتمسّك بحكومة سياسيّة، وهذا ما أبلغه إيّاه للحريري ومتمسك بحقائبه أيضاً"، مؤكداً أن "رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ يحاكي انتقال الشارع من مكان الى آخر، وهو لا يزال يصرّ على حكومة تكنوقراط مطعمة بسياسيين ليسوا أقوياء على أن يرأسها هو". في حين أن الكاتب والمحلل السياسي ​خليل فليحان​ يشرح أن "ما رشح عن الإجتماع الثاني الذي جمع الحريري وباسيل هو أن الأجواء كانت ايجابيّة ولكن علينا الانتظار لنرى لأن ترجمة ايجابيات هذا الموضوع تكون بالدعوة الى استشارات نيابيّة لتكليف رئيس حكومة وهذا لم يحصل بعد".

فليحان دعا الى قراءة البيان الذي أصدره رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ مؤخراً بتمعّن والذي أكد فيه أن القصّة لم تعد تحتمل أكثر من 48 ساعة، في إشارة الى ​الاستشارات النيابية​ وهنا بيت القصيد. بدوره منيّر يعتبر أن "لا وقت محدّد للمسألة رغم أنه كلما تأخرنا كلما زاد الضغط الاقتصادي وهذا الأمر يتطلب اجراءات سريعة".

عمليّة تكليف شخصيّة ل​رئاسة الحكومة​ ستسير تزامنا مع تحركات الشارع. وهنا يرى خليل فليحان أنه "ولأول مرّة فإن هذا التحرّك يكون نابعاً من الشارع ومن غضب الناس ولا تقف جهّات خلفه". إلا أن منيّر يعتبر أن "الوضع الاقتصادي السيء يدفع بالناس الى الشارع حكماً وهو يغلي"، معتبراً أن "الخارج بطبيعة الحال يستثمر فيه".

في المحصّلة، لا يزال المشهد الحكومي ضبابياً حتى الساعة، على أمل ألاّ تطول فترة التشاور بين مختلف الأفرقاء من أجل التوصل الى إتفاق كامل حول كلّ ​تفاصيل​ رئيس وشكل الحكومة تفادياً للإنهيار الإقتصادي الكامل.