على هامش التحولات التي رافقت ​الحراك الشعبي​ منذ إنطلاقته، وبعيداً عن محاولات إدخاله في البازار السياسي القائم حول ​تشكيل الحكومة​ المقبلة، هناك ظاهرة ينبغي التوقف عندها ملياً، تتمثل بشعور المواطن ال​لبنان​ي بالقوة في التعامل مع العديد من المشاكل التي كانت تواجهه في حياته اليومية، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة في ​المستقبل​ القريب، لا سيما إذا ما استمر الحراك في التوجّه نحو مكامن الهدر و​الفساد​ المعروفة.

ضمن هذا السياق، يمكن الحديث عن تعامل ​السلطة​ القضائيّة مع الملفّات التي كانت عالقة لديها، حيث تحركت بسرعة قياسيّة، في الأيام الماضية، حتى بات يفتح أكثر من ملفّ في يوم واحد، في حين أنّ بعض السياسيين كانوا يرفضون فكرة الذهاب إلى مكتب المدّعي المالي ​علي إبراهيم​ أو غيره من ​القضاة​ في السابق، وهنا تعود إلى الأذهان مواقف كل من الوزيرين في حكومة ​تصريف الأعمال​ ​محمد شقير​ و​جمال الجراح​، بالإضافة إلى رئيس الحكومة السابق ​فؤاد السنيورة​، الذي كان حتى أول من أمس يعلن أنه لن يحضر إلى مكتب المدعي ​العام المالي​.

الأساس في تحرك السلطة القضائيّة، التي وُجّهت لها الكثير من الإنتقادات في ظل الحراك، هو الشعور بأنّ هناك تحولاً على المستوى الشعبي، يقود إلى شعور القضاة بوجود قوّة ضغط تستطيع أن تؤمّن لهم الحصانة التي كانوا يحصلون عليها من قبل القوى السياسيّة، وبالتالي باتوا أكثر حريّة في تعاملهم مع الملفّات الموجودة لديهم، وهو ما يمكن الرهان عليه في الوصول إلى نتائج في المستقبل، في حال استمر الواقع على ما هو عليه اليوم.

بالتزامن، لا يمكن تجاهل تحوّلات أخرى رافقت الحراك الشعبي، حتى ولو كانت على المستوى الفردي، منها إجبار احدى ​المستشفيات​ في منطقة صيدا على إستقبال مريض رفضت استقباله لعدم توفّر الأموال لديه، بالإضافة إلى إجبار بعض ​المصارف​ على قبول دفع السندات بالليرة اللبنانيّة، بعد أن كانت تطلب منهم التوجّه إلى محلاّت الصيارفة لتأمين الدفعات المستحقة ب​الدولار​ الأميركي، في حين أن الإنجاز الأكبر على هذا الصعيد قد يكون في إجبار وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال على تسعير البطاقات المسبقة الدفع ب​الليرة اللبنانية​، بالرغم من أنّه كان يتحجّج بأنّ الموضوع يحتاج إلى قرار من ​مجلس الوزراء​، ليتبيّن أنه قادر على معالجة المسألة وحده.

ما يحصل على هذا الصعيد لا يمكن الإستخفاف به بأيّ شكل من الأشكال، لأنّ المواطن اليوم يشعر بأنّه الحلقة الأقوى بعد أن كان الأضعف على مدى سنوات طويلة، وبالتالي يملك القدرة على التغيير وفرضه على مستوى التعامل معه من قبل المؤسسات العامة والخاصة، إلا أنّ هذا الأمر يتطلب أن يكون الباب نحو تحويل قوة الضغط الشعبي هذه إلى قوة ضغط مفروضة بحكم القوانين، سواء عن طريق فرض تنفيذ ما هو قائم منها أو إقرار ما يجب إقراره في وقت قريب.

في المحصّلة، يمكن القول إن لبنان دخل مرحلة جديدة منذ السابع عشر من تشرين الأول، بات المواطن يشعر فيها أنه قادر على التغيير وإسقاط المعوقات التي كانت تقف بوجهه، لكن هذا لا يلغي أهميّة أنّ الحراك بحاجة إلى حماية نفسه، عبر خطوات جديدة عنوانها التنظيم أولاً وأخيراً، لأنّ الفوضى هي آخر ما هو مطلوب في المرحلة الراهنة.