حين قدم رئيس حكومة تصريف الاعمال حالياً ​سعد الحريري​ استقالة ​الحكومة​ عبر ​وسائل الاعلام​ ثم الى ​رئيس الجمهورية​، لم تتأخر ردة فعل كل من "​حزب الله​" ورئيس حركة "امل" ​نبيه بري​ في الظهور وكانت تعبيرا واضحا وصريحا عن استياء من هذه الخطوة التي ادخلت ​لبنان​ في دائرة الخطر الفعلي. ولكن، ما هي الا ايام قليلة حتى تحوّل هذا الاستياء الى تمسّك بالحريري بشكل جدّي وقوي، حتى انّ الحديث يدور اليوم عن عدم القبول بغيره لترؤس الحكومة العتيدة... ولو بالقوّة. والقوّة في هذا السياق، تعني حتى ولو عارض الحريري ذلك، فهل قام بـ"ضربة معلم" حين استقال؟ ام ان هناك "قطبة مخفيّة" في هذا الاصرار عليه؟.

يعتبر كثير من المتابعين انّ الجواب على السؤال يجمع النظريتين، فمن جهة قام الحريري بخطوة يمكن القول عنها بأنّها "مغامرة"، وبالاخصّ بعد انْ قال بنفسه مراراً وتكراراً انه لا يرغب في ادخال البلد في المجهول، وان استقالة الحكومة هي خطوة على هذا الدرب، فإذا به يقوم بما حذر منه شخصياً. ولا شك ان هذا الموقف ساهم في إعادة رفع صورته ومعنوياته والبعض من شعبيته، ناهيك عن انه تبلّغ من قبل اكثر من موفد عربي وغربي الدعم له للعودة الى السراي. هذه المعطيات صبّت في خانة التشجيع على الاستقالة فيخرج من بابها ليعود من باب التكليف.

في المقابل، كان ​الثنائي الشيعي​ يراقب الوضع ويدرس الخيارات، وتناهى الى مسامعه حتماً ما وصل الى رئيس الحكومة المستقيل من دعم وتأييد، وكان لا بد من اتخاذ موقف انما دون التوقيع على بطاقة بيضاء. وادرك هذا الثنائي انه في مقابل الشروط التي وضعها الحريري لترؤس الحكومة العتيدة، يجب وضع شروط مقابلة تعيد التوازن الى المسار السياسي المتوقّع سلوكه في لبنان بعد التحرك في الشارع. فكان ان مرّر الحزب وبري تسمكهما برئيس حكومة تصريف الاعمال، انطلاقاً من مبدأ الدعم الدولي الذي تلقاه، والمعطيات التي تفيد بأنه سيستند الى هذا الدعم تحديداً لمنع لبنان من الوصول الى الانهيار، وهو امر لا يريده احد وبشكل خاص "حزب الله". ولكن التوافق على الاسم يفرض الاتفاق على شكل الحكومة وعدد وزرائها وتوزيع حقائبهم ومهامهم، وهنا تدخل الاسباب المعرقلة المتمثلة بالتيارات والاحزاب لمعرفة نسبة الحصص التي ستنالها، بطريقة مباشرة (حكومة سياسية او تكنوسياسية)، او غير مباشرة (حكومة تكنوقراط لوجوه تتمتع بميول سياسية). ومع كل عرقلة من هنا او هناك، يروّج الحريري انه لا يريد تحمل هذه المسؤولية وهو مستعد لتسمية شخصيّة تتولّى مهامه، في خطوة لا يمكن تفسيرها سوى انّها دعوة الى الاستجابة للشروط التي يضعها، فالجميع يعلم ان غياب الحريري عن الساحة الرسمية ومنصب رئيس ​مجلس الوزراء​ يعني تراجع اسهمه على كافة المستويات (السياسيّة والشعبيّة والاقتصاديّة والماليّة...)، وان هذا الوضع الخطر قد يلازمه على الاقل ثلاث سنوات (الفترة المتبقيّة من عهد ​الرئيس ميشال عون​)، وهو أمر ليس بالسهل وقد اختبره بمرارة في الفترة السابقة.

عمليّة "شدّ الحبال" مستمرّة ولا يبدو انها ستنتهي في وقت قريب، في حين انّ الشعب لا يزال يدفع الضريبة الاكبر عبر استمرار التحركات في الشارع (دون ​قطع طرق​)، وتفاعل الازمة الاقتصاديّة والماليّة التي كانت بدأت قبل النزول الى الشارع، واستفحلت بعده، وانسداد الافق الذي يعوّل عليه لرؤية لبنان كبلد قادر على النهوض من الكبوات وتخطّي المآزق التي وقع فيها. الحل سيكون وسطياً كالعادة، فلماذا التأخير وارجاء المفروغ منه، في حين يمكن الوصول الى حلّ في وقت قصير؟.