ينتظر رئيس الحكومة المستقيل ​سعد الحريري​ -اليوم وكحدٍ أقصى غداً -رد ​الثنائي الشيعي​ على طرحه المتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسته من دون مشاركة أي من الأحزاب السياسية بما فيهم ​تيار المستقبل​ ، ووفقاً لما رشح عن اجتماعه بالخليلين يوم أمس ، تعهد الحريري بمراعاة التوازنات الداخلية وبعدم توزير شخصيات إستفزازية تناكف ​حزب الله​ وتحديدا فيما يتعلق بسلاحه . وقدم الحريري أمثلة عن شخصيات شيعية يمكن اختيارها بما يطمئن الثنائي الشيعي ويرضي الشارع المنتفض على غرار نائب حاكم مصرف ​لبنان​ ​رائد شرف الدين​ . وقد حاول الثنائي بكل ما أوتي من ملكة الحوار والإقناع أن يعدّل بموقف الحريري المتمسك بتشكيل حكومة إنقاذ تخصصية بحتة تكون أولى مهماتها تدارك الإنهيار ومعالجة ​الأزمة​ الإقتصادية ، ولكن دون جدوى، فقد تمسك الحريري بموقفه ولم يبد أدنى ليونة أو مرونة ، ولم يقبل بأي من الإقتراحات التي تمّ عرضها ، حتى أنه رفض بأن يكون بالحد الأدنى ولو وزير سياسي واحد عن كل حزب او تيار .. وجلّ ما استطاع الثنائي الشيعي انتزاعه من الحريري هو التشاور والتعاون حول الأسماء المزمع توزيرها . كما عرض الحريري على الثنائي أن يسمي أحدا غيره ل​رئاسة الحكومة​ وتوجه للخليلين قائلاً : "بكل صدق ومحبّة اختاروا إسماً غيري لترؤس الحكومة وأنا مستعد للتعاون ولمنح الثقة في مجلس النوّاب " .

وعليه فقد وصلت الأمور إلى خواتيمها للحسم واختيار الإسم الذي سترمى على عاتقه مسؤولية التأليف والذي سيحمل على كاهله أكبر وأخطر أزمة إقتصادية يمرّ بها لبنان منذ تأسيسه . وبانتظار كلمة الأمين العام لحزب الله ​السيد حسن نصرالله​ يوم الإثنين لحسم الجدل وتحديد الطريق الذي ستسلكه الأزمة تبقى الخيارات محدودة لجهة القدرة على استيلاد المخرج وفقاً للموازين ​الجديدة​ التي فرضها ​الحراك الشعبي​ حتى أصبح الطرف الأقوى في المعادلة . فإذا رفض تحالف حزب الله و ​التيار الوطني الحر​ عرض الحريري يبقى أمامهما خياراً واحداً لا مناص منه ، وهو تأليف حكومة مهما كان شكلها ، تكنوقراطية خالصة أو مطعمة بسياسيين أو حكومة اقتصاديين وحتى لو ضمّت أسماء من الحراك الشعبي فإنها ستُعتبر حكومة مواجهة ستكشف لبنان أمام ​المجتمع الدولي​ وستُحْجَب عنه أموال "سيدر" ، وستعيد رصّ صفوف قوى "١٤ آذار" من جديد والأخطر أنها ستعيد التوتر السني-الشيعي إلى الساحة اللبنانية ، ولكنّ هذه المرّة في خضمّ ​الإنهيار الإقتصادي​ والمالي .

وللمرة الأولى يتحول منصب رئيس الحكومة إلى "نعمة" لا يتمناها أحد ، حتى أنّ الحريري الذي دفع ثمناً عالياً فيه وهو ​التسوية الرئاسية​ وبالتالي قانوناً انتخابياً أفقده خمسة عشر نائباً وجعله الحلقة الأضعف في اللعبة السياسية أصبح زاهداً فيه، حتى ولو كُلّف ، يبدو وكأنه يُكلّف بالإكراه .

بالمحصلة ، فقد استطاع الحريري وبظرف أيام معدودة بأن يصبح الرجل الأقوى في لبنان ، بعد أن كان الحلقة الأضعف في السلسلة أصبح حاجة وطنية يطلب ودّها الجميع . مع العلم أنّ قوى "٨ آذار" والتيار الوطني الحر، بيدها إسقاط أي حكومة جديدة من خلال سحب الثقة منها في مجلس النوّاب من دون الحاجة إلى استنهاض الشارع .

ما دام الأمر كذلك فليشكل الحريري حكومته كما يشاء وليتحمل المسؤولية وحده للخروج من الأزمة الإقتصادية وليواجه جيش الفاسدين وحده، وليتصدّى ل​نجيب ميقاتي​ و​محمد الصفدي​ و​فؤاد السنيورة​ و​نهاد المشنوق​ . أليست هذه كلها مطالب الحراك الشعبي لاستعادة الأموال المنهوبة ؟ وأي سيناريو أفضل من أن يتخفف العهد من كل الأحمال وتُرفع عن كاهله كلّ المسؤوليات ويجلس مراقباً ويتدخل وقت الحاجة والضرورة إذا ما استشعر خطراً محدقاً أو مؤامرة ما ؟

هي ساعات حاسمة ما بين الإنفراج أو الإنفجار ، فلنحبس الأنفاس وننتظر ، إنه مصير شعب ووطن ..