تحت عنوان "الثورة التشريعية"، قرر رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ الدعوة إلى جلسة تشريعية لإقرار مجموعة من القوانين، التي يرى أنها تتلاقى مع المطالب التي رفعها ​الحراك الشعبي​، إلا أن هذه الجلسة اصطدمت بالعديد من المطبّات السياسية والدستورية، قبل أن يقرر رئيس المجلس النيابي تأجيلها بسبب الأوضاع الأمنية، بعد أن قرر المتظاهرون العمل على قطع الطرقات لمنع النواب من الوصول إلى الجلسة.

من الناحية الدستورية، توضح مصادر قانونية، عبر "النشرة"، أن هناك وجهتي نظر حول هذه المسألة، الأولى تؤكد أن الجلسة غير دستورية، انطلاقاً من عدم جواز التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال، نظراً إلى أن الفقرة الثالثة من المادة 69 تنص على أنه "عند استقالة ​الحكومة​ أو اعتبارها مستقيلة يصبح ​مجلس النواب​ حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة"، الأمر الذي تنفيه وجهة النظر الثانية التي تستند إلى أن مجلس النواب سيده نفسه، وتذكر بنظرية "تشريع الضرورة" التي تمسك بها رئيس المجلس النيابي، في السنوات الماضية، وبالتالي ليس هناك ما يمنع اجتماع المجلس النيابي من أجل التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال.

بالإضافة إلى المادة 69 من الدستور، التي يتمسك فيها أصحاب النظرية الأولى، هناك المادة 32، التي تؤكد أن المجلس يجتمع كل سنة في عقدين عاديين، الثاني، الذي هو الأساس اليوم، يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول، وتخصص جلساته للبحث في ​الموازنة​ والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد حتى نهاية العام، وبالتالي لا يحق لمجلس النواب القيام بأي أمر آخر، كعقد جلسات تشريعية كما هو مقرر.

حول هذه النقطة، تشدد المصادر القانونية على أن أصحاب النظرية الثانية يعتبرون أن المجلس النيابي لا يستطيع البت بمشروع الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال، نظراً إلى أن الحكومة لا تستطيع أن تطلب استرداد هذا المشروع، وبالتالي هذا يفقدها حقاً دستورياً لها، وبالتالي من المفترض عدم حرمان السلطة التنفيذية هذا الحق.

انطلاقاً من ذلك، تعتبر هذه المصادر أن السجال القائم اليوم سياسي بالدرجة الأولى، يتعلق بالخلاف بين الأفرقاء السياسيين حول اقتراح قانون ​العفو العام​، نظراً إلى أن تحديد موعد ​الجلسة التشريعية​ جاء بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس النيابي، التي تضم ممثلين عن مختلف القوى السياسية، في حين أن ما يطرح على المستوى الحراك يأتي في سياق الضغط للدفع إلى الإسراع نحو تشكيل حكومة جديدة، لكنها تشدد على أنه من الناحية الدستورية لا شيء يمنع مجلس النواب من التشريع ضمن الاطار الضيّق، أي ما يعرف بـ"تشريع الضرورة"، على ألا تتضمن اقتراحات القوانين مشاريع مالية، نظراً إلى أن هذا الأمر يتطلب وجود حكومة كاملة الصلاحيات، وتضيف: "يفضل أيضاً أن لا يضم جدول الأعمال مشاريع قوانين مقدمة من حكومة تصريف الأعمال، أي أن يقتصر الأمر على اقتراحات القوانين المقدمة من النواب".

على الرغم من ذلك، تشدد المصادر نفسها على أن الحلّ الأفضل هو الذهاب سريعاً إلى تعيين موعد ​الاستشارات النيابية​ الملزمة لتكليف رئيس حكومة جديد، ثم الذهاب سريعاً نحو تشكيل حكومة جديدة، بعيداً عن أي سجال سياسي أو دستوري، نظراً إلى أن البلاد تمر بظروف استثنائية لا يمكن معها، بعد استقالة الحكومة، تعطيل السلطة التشريعية المتمثلة بالمجلس النيابي.

في المحصلة، تمّ نزع فتيل أزمة كبرى، سياسية ودستورية، أساسها الخلاف على اقتراح قانون العفو والجدل حول دستورية الجلسة التشريعية، لكن الأساس، الا يجدر البحث عن حلول يدفع بجميع الأفرقاء للبحث عن المخارج الضرورية للأزمة الراهنة؟.