مقابل النعمة القليلة التي تتأتى عن اخبار مواقع التواصل الاجتماعي، يبتلي ال​لبنان​يون (وكل شعوب ​العالم​ بطبيعة الحال) بكميات هائلة من ​الاخبار​ على مدار ​الساعة​ تصلهم من اناس يعتبرون ان تلفيق الاخبار ونشرها هو بمثابة الهواء الذي يتنفسونه. وللمفارقة، فإن غالبية اللبنانيين لا يزالون يقعون في هذا الشرك، ويعمدون الى تصديق كل ما يصلهم وفق منطق ان الخبر الاول الذي يتلقفونه هو حتماً الاكثر صدقاً!.

من بين "جحافل" المعلومات التي يتحفنا بها اصحابها يومياً، ما تردد اكثر من مرة عن تشكيل حكومة عسكرية في لبنان تتسلم الاوضاع وتعيد الامور الى مجاريها الطبيعية، التي يجب ان تكون عليه وفق آمال واحلام اللبنانيين. ليس غريباً ان يرى الجميع في ​المؤسسة العسكرية​ ملاذاً اخيراً لانقاذ لبنان، ولكن ان يتم الترويج للتشكيلة العسكرية ووضع اسماء ضباط حاليين ومتقاعدين لتولي الوزارات، وكل ذلك دون وجود اي نية او حتى تلميح من ​قيادة الجيش​ او اي ضابط فيها حول امكان البحث في تولي حكومة عسكرية الاوضاع في لبنان، فهو امر تخطّى المنطق والواقع.

ولكي يدرك من لا يزال يصدّق تلفيقات اخبار مواقع التواصل الاجتماعي، ان ما يقرأه مجرد شائعة، فإنه من شبه المستحيل قيام حكومة عسكرية في هذا الظرف لعدة اسباب، سنكتفي بعرض ابرزها في ما يلي:

مع التأكيد على ان الامر غير مطروح من قبل قيادة الجيش او لدى المسؤولين حول هذه ​الحكومة​، فإن من غير المقبول رمي ​قنبلة​ متفجرة في وجه ​الجيش اللبناني​ ومطالبته بحل كل العقد المستعصية، وايجاد الحلول التي ترضي الجميع في وقت قصير، وفي ظل ضغط شعبي لم يشهده لبنان سابقاً، وضياع تام يحاول السياسيون فيه لملمة انفسهم للبقاء على قيد ​الحياة​، وازمة اقتصاديّة سبقت التحركات الشعبيّة وزادت تعقيداً بعدها... فإنّ اي قرار ستتخذه مثل هذه الحكومة سيصطدم بالجميع وقد يتحوّل الشعب الى المعارضة بعد ان يصبح الجيش هو ​السلطة​.

هذا في الشق البديهي، اما في الشق السياسي والدبلوماسي، فمن الصعب ان تتقبّل ايّ دولة خارجية التعاطي مع حكومة عسكريّة، وهذه الدول نفسها تسعى بكل ما اوتيت من قوة الى الابتعاد عن مثل هذه الحلول، وهي إنْ قبلت بها فتكون لمرحلة انتقاليّة سريعة جداً وفي ظروف مأساوية لم يصل لبنان اليها بعد (والحمد لله)، وهذا ما يعني العودة الى صلب المشكلة التي تتمثل في تشكيل حكومة ترضي الخارج وتلاقي مطالب الداخل، وهي العقدة الاساسية التي نعاني منها حالياً.

واذا سلّمنا جدلاً بتشكيل هذه الحكومة المفترضة، وبغض النظر عن الاسماء، ومع الموافقة على قدرتها على تحقيق جزء من الحلول، فهناك امور ستبقى عالقة وقد تشكل خطراً حقيقياً على لبنان، لان مثل هذ الحكومة ستكون مطالبة بنزع سلاح ​حزب الله​ ولو بالقوة، وهذا الامر سيؤدي الى سيناريو حرب اهلية لن تحمد عقباها، ونكون انتقلنا من وضع سيء الى اسوأ وضع ممكن.

ومن الاسباب ايضاً لعدم تأليف هذا النوع من الحكومات في لبنان حالياً، هو انها ستلغي دور ​رئيس الجمهورية​ ورئيس ​مجلس النواب​ وربما النواب جميعاً عبر تمتّعها بصلاحيات استثنائية، فيكون قد تحقق التغيير فعلاً انما بطريقة غير دستوريّة، فيما الحل المقابل يفرض اجراء ​انتخابات​ نيابيّة يجب على اللبنانيين فيها هذه المرة تحمّل مسؤوليّة عدم ايصال ايّ من الاحزاب والتيارات التي يشتكون منها الى البرلمان، ويعمل المجلس الجديد على وضع قوانين وتشريعات وربما اقتراح اجراء تغييرات في ​الدستور​، لوضع حلّ لايّ لغط او اجتهادات تظهر من هنا وهناك عند طرح المخارج للعديد من المشاكل.

ليست هذه الاسباب وحدها هي التي تمنع تشكيل حكومة عسكريّة حالياً في لبنان، فهناك الكثير غيرها، ولكن كل منها كفيل بأن يكون سبباً لعدم تصديق ايّ كلام يصب في هذه الخانة، فليكفّ ملفقو الاخبار عن بثها ونشرها، وليقتنع ​اللبنانيون​ بأنه ليس هناك من حكومة عسكرية... ونقطة ع السطر.