في ظل ​الأزمة​ الكبيرة التي تمر بها البلاد، عمدت بعض المؤسسات التجارية إلى المسارعة في رفع أسعار منتجاتها، الأمر الذي يدركه أي موطن يزور الأسواق في هذه الأيام، خصوصاً أن المؤسسات المسؤولة على ما يبدو غائبة عن ممارسة دورها الأساسي في هذا المجال.

في مقابل هذا التوجه، قررت بعض المؤسسات عدم ركوب هذه الموجة، وبالتالي العمل على الحدّ من الأعباء التي يتكبّدها المستهلك، الأمر الذي يفرض الإضاءة على هذه المبادرات، خصوصاً أنها من المفترض أن تكون مثالاً لغيرها.

على هذا الصعيد، كان من اللافت إعلان شركة "G.vincenti & sons" أنها لم تغيّر أو ترفع أسعار علاماتها التجارية أو منتجاتها في السوق اللبنانية، حيث يوضح أحد أصحاب الشركة كارلو فنسنتي، في حديث لـ"النشرة"، أن هم الشركة الأساسي هو المستهلك، ويذكّر بأن والده في فترة ​الحرب اللبنانية​ أقدم على فتح المستودعات والعمل كسوبرماركت في الوقت الذي كانت فيه الكثير منها تقفل أبوابها، ويشير إلى أن القرار المتّخذ من الشركة اليوم صعب، لا سيما أن التكلفة ارتفعت نحو 30%، بسبب الزيادة في التعريفات الجمركيّة وزيادة أسعار الفائدة التي تفرضها المصارف، بالإضافة إلى نقص ​الدولار​ الأميركي في السوق وقرار المصارف بتوقيف كل التسهيلات المصرفية التجاريّة للشركات.

ويشدّد فنسنتي على أن هناك خسائر تتعرض لها الشركة بشكل شبه يومي، لكنه يلفت إلى أنّ البلاد تمرّ اليوم بوضع إستثنائي، خصوصاً أن المواطنين يعبّرون عن أوجاعهم، ويعتبر أن قرار الشركة هو جزء من التضامن مع المواطن اللبناني ومساهمة في الفترة الصعبة الحاليّة، ويضيف: "خسارتنا أقل من خسارة الشعب، وسنقبلها لأنّه في حال تخطّي هذه المرحلة ​المستقبل​ سيعوضها".

وفي حين يؤكد فنسنتي أن المستهلك في الأصل يعيش بضيقة، يدعو كافة الشركات إلى تحمّل الخسائر بالقدر الذي تستطيع تحمله، بالرغم من تفهمه إلى أوضاعها المالية، لأن الأساس هو المستهلك الذي لا تستطيع أيّ شركة الإستمرار في حال أُغرق بالمزيد من الأعباء.

على مستوى السوبرماركت برزت مبادرة "كارفور"، التي قررت التعامل مع هذه الأزمة بشكل مختلف، عبر رفض استلام عدد من الأصناف من بعض المورّدين، بسبب إرتفاع أسعارها غير المبرّر، مقدّمة إعتذارها من الزبائن لعدّم توفر تلك الأصناف، وبالتالي هي قدّمت نموذجاً قد يكون من المفيد أن يتعامل معه المواطن بوصفه كمستهلك، أي إستبدال الأصناف التي قرّر التجّار رفع أسعارها أو الإستغناء عنها في حال لم تكن ضروريّة، خصوصاً أنّ عمليات الإستيراد من المفترض أن تكون تمت قبل الأزمة الراهنة، وبالتالي ليس هناك من مبرر لرفع أسعار أصناف المواد التي تم إستيرادها على أساس الأسعار السابقة.

في المقابل، لدى نقابة مستوردي المواد الغذائيّة والاستهلاكية والمشروبات رؤية مختلفة، حيث تؤكد مصادر مقربة منها، عبر "النشرة"، أن ليست من مفتعلي الأزمة، بل على العكس من ذلك هي من الضحايا، وتشير إلى أن السبب الأساسي يكمن بالإجراءات المصرفيّة المعتمدة في الوقت الراهن، بالإضافة إلى ارتفاع ​أسعار الدولار​ لدى الصيارفة، وتعتبر أن مجرد وضع آلية واضحة من قبل ​جمعية المصارف​ و​مصرف لبنان​ فإنّ الأمور ستعود إلى طبيعتها بنسبة كبيرة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، من الأسباب التي لا تقل خطورة عن الإجراءات المصرفيّة هناك حالة السوق اللبناني في الوقت الراهن، التي ارتفعت فيها المخاطر إلى حدّ بعيد، وبالتالي بات هناك مصاريف إضافيّة على التجار لا يمكن لهم تحمّلها، نظراً إلى أنها تنعكس عليهم خسائر، وتضيف: "يستطيع التاجر تحمل الوضع الراهن، فيما لو كان من الواضح أنّ هذه الأزمة ستكون محدودة، بوجود تاريخ محدد للخروج منها"، بالرغم من تأكيدها أن النقابة لا تغطي كل السوق بل ما نسبته من 60 إلى 70%.

في هذا الإطار، توضح مديرة عام ​وزارة الإقتصاد والتجارة​ ​عليا عباس​، في حديث لـ"النشرة"، أن الوزارة لا تستطيع مراقبة التجار لأنّ صلاحيتها تنتهي عند المستهلك النهائي، لكنها تشير إلى أنّ المراقبين عندما يدخلون إلى أيّ سوبرماركت لمراقبة الأسعار يطلبون الفواتير الرسميّة التي تمّت عمليّة الشراء بموجبها، لتحديد نسب الأرباح ومعرفة ما إذا كان هناك من عمليّة إستغلال للأوضاع الراهنة لزيادة الأرباح.

وفي حين لا تنكر عباس وجود فوضى في السوق، نتيجة الفوضى في سعر الصرف، حيث يضطر التجّار إلى تأمين الدولارات من الصيارفة في ظل عدم تأمينها من المصارف، بالتزامن مع صدور مرسوم حماية الإنتاج الوطني وموازنة العام 2019، التي فرضت رسم 3%، تشير إلى أن مراقبي الوزارة يعمدون إلى مقارنة الأسعار قبل 17 تشرين الأول وأزمة الدولار، لمعرفة نسب الإرباح، وبالتالي من كان يربح 10% لا يجب أن يصبح ربحه اليوم 15%.

وتشدد عباس على ضرورة التعامل مع الوضع الإستثنائي الحالي بموضوعية وحكمة، لأن إجبار السوبرماركت على البيع بخسارة يعني فقدان البضائع، وبالتالي الإرتفاع في الأسعار، في حال حصوله، يجب أن يكون إنطلاقاً من حقّ، لا بناء على إستغلال، لكنها تؤكد أن المهم هو إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه بعد إنتهاء الوضع الإستثنائي، وتشير إلى أنّ هذا ما تعمل عليه الوزارة اليوم على أمل العودة إلى الأوضاع الطبيعيّة بأسرع وقت ممكن.

في المحصّلة، لم يعد من الوارد انكار وجود أزمة حقيقيّة يدفع ثمنها المواطن اللبناني أولاً وأخيراً، الأمر الذي يتطلب إجراءات سريعة من قبل المسؤولين المعنيين، مع تشجيع الشركات والمؤسسات على القيام بكل الخطوات اللازمة التي تحول دون تفاقمها، بعيداً عن اللعبة الإستغلال التي سيدفع ثمنها الجميع.