شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر أمس (الثلاثاء)، عمليتين أمنيتين مُتزامنتين، في مكانين مُختلفين: غزة والعاصمة السورية، دمشق، لكن هدفهما كان واحداً اغتيال قياديين عسكريين في «حركة الجهاد الإسلامي» في ​فلسطين​.

في الغارة على ​قطاع غزة​، استشهد قائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس» الجناح العسكري لـ«حركة الجهاد» بهاء سليم أبو العطا «أبو سليم» (42 عاماً) وزوجته أسماء في منزلهما شرقي قطاع غزة، وجرح 4 من أبنائهما، هم: سليم، محمّد، ليليان وفاطمة، وجارتهم حنان حلس.

فيما الغارة على دمشق، اسستهدف منزل القائد العام لـ«سرايا القدس» وعضو المكتب السياسي لـ«حركة الجهاد» أكرم العجوري في منطقة المزة بالقرب من ​السفارة اللبنانية​، لكنه نجا، فيما استشهد نجله معاذ، وشخص آخر وجرح 6 آخرين.

ووضعت قوات الاحتلال أبو العطا، ضمن أخطر 3 شخصيات على الكيان الإسرائيلي، التي ضمتها قائمة الاغتيالات، مع قائد «لواء القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني ​قاسم سليماني​ وأمين عام «حزب الله» السيّد ​حسن نصر الله​.

يتهم الاحتلال أبو العطا بالمسؤولية عن تنفيذ عمليات ضد الاحتلال بأشكال مُختلفة، بين قصف استهدف المُستوطنات في غلاف قطاع غزة، وجنود الاحتلال قنصاً، وإطلاق طائرات مُسيّرة، فضلاً عن إطلاق صاروخ خلال تجمع انتخابي كان يتحدث فيه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين ​نتنياهو​ في مُستوطنة أسدود في إطار حملته الانتخابية، حين فر مذعوراً من الاحتفال (10 أيلول 2019).

إعطاء نتنياهو أمراً بتنفيذ الاغتيال، في هذا التوقيت، على الرغم من إدراكه المُسبق أن ردّ المُقاومة سيكون عنيفاً، يأتي ضمن إحدى فرصه الأخيرة لنقل أزمته الشخصية ومُواجهة ملفات ​الفساد​، واخفاقه في ​تشكيل الحكومة​ مرتين، إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطوارئ لمُواجهة التطورات.

وردت «سرايا القدس» باطلاق القذائف الصاروخية، مُستهدفة مُستوطنات الاحتلال، وصواريخ سقطت جنوب تل أبيب والخضيرة والقدس المُحتلة وعسقلان وسيديروت، ففتح الاحتلال الملاجئ في المُستوطنات القريبة من غزة.

وفشلت «القبة الحديدية» بالتصدي للعديد من صواريخ المُقاومة، التي شلت الحياة في الكيان الإسرائيلي، وهي المرة الأولى منذ حرب الخليج في العام 1991، التي يتم فيها إلغاء الدراسة في تل أبيب لحوالى مليون طالب و80 ألف مدرس.

عملية اغتيال الشهيد أبو العطا، تمت بتنسيق أمني بين جيش الاحتلال وجهاز «الشاباك»، وبعد وصوله إلى منزله في منطقة المنطار - شرق حيّ الشجاعية - شرقي مدينة غزة، الذي لم يتردد عليه منذ فترة، قبل تنفيذ طائرة F16 الغارة قرابة الثالثة والنصف فجراً، مُلقية صاروخاً، أدى إلى تدمير المبنى المؤلف من طابقين، وعدد من المنازل المُجاورة، وقذفت قوة الانفجار جثة الشهيد بهاء لتستقر على بوابة مدرسة تابعة لوكالة «الأونروا»، فيما استقرت جثة زوجته في فناء المدرسة.

وصعَّد الاحتلال من عدوانه، فنفذ غارات على مناطق عدة في قطاع غزة، حيث سجل استشهاد 11 مواطناً وإصابة أكثر من 53 آخرين بجراح.

ولم تثمر الاتصالات التي قام بها عدد من الدول والهيئات عن وقف التصعيد.

نتنياهو

وسارع نتنياهو إلى ترؤس جلسة للحكومة الإسرائيلية المُصغرة، مُؤكداً أن «إسرئيل ليست معنية بالتصعيد، لكنها ستفعل المُستحيل للدفاع عن نفسها، ويجب تمكين ​الجيش​ القيام بمهماته، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت».

وأوضح نتنياهو في مُؤتمر صحفي عقده بعد الاجتماع أنه أعطى ​الضوء​ الأخضر لعملية اغتيال أبو العطا، فجر أمس.

وتابع:«إن غالبية عمليات إطلاق الصواريخ التي تمت مُؤخراً من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية كانت بأوامر من أبو العطا، وإن كافة عمليات القنص التي كانت تجري من القطاع كان بتعليمات منه»، مُشيراً إلى أن «قرار تصفية أبو العطا جاء بعد معلومات استخباراتية تُفيد بأنه ماضٍ نحو الاعداد للمزيد من الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، وعليه فقد عرضت ​القيادة​ الأمنية عملية عسكرية لتصفيته وإسقاط الأخطار المُترتبة على نشاطه، والقرار بتصفية أبو العطا، اتخذ في ​جلسة الحكومة​ مطلع الشهر الجاري بالإجماع، فيما فوض أعضاء المجلس الوزاري نتنياهو بإصدار الأوامر بتنفيذ العملية عندما تحين الفرصة المُناسبة لذلك».

وأضاف: «إن القيادة العسكرية بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية و​جهاز الشاباك​ عملوا سوياً على تحيُّن الفرصة، وبعد أن كان أبو العطا على مدار عشرة أيام يتنقل من بيت إلى بيت ليختبئ بعد أن كان مسؤولاً عن الرشقات الصاروخية مطلع الشهر الحالي، على ما يبدو اطمئن، وعاد الليلة الماضية إلى البيت الذي يسكنه، وهذه تُعتبر فرصة لا يُمكن تفويتها، فأعطيت مُوافقتي على تنفيذ العملية بالدقة القصوى لئلا يصاب أناس غير مُتورطين في الاعمال المعادية، وهذا ما كان».

فيما حدد قائد هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي ​أفيف كوخافي​ الأسباب التي دفعت إلى اغتيال أبو العطا، فقال: «إنه مسؤول عن معظم الهجمات التي خرجت من غزة في العام الماضي، وعن عمليات قنص و​إطلاق نار​، وعشرات العمليات، وهو مسؤول عن إطلاق الصواريخ قبل عشرة أيام، عشية إحياء الذكرى السنوية للقتلى الإسرائيليين في الحروب والعمليات، وسلسلة أخرى من العمليات، إنه قوّض الأمن والاستقرار في جنوب إسرائيل، خاصة في المنطقة المحيطة بالحدود مع قطاع غزة، لقد سلك كل الطرق لتخريب مُحاولات التوصل إلى تهدئة مع حركة «حماس»، وعمل أيضاً في الأيام الأخيرة، على التخطيط لعمليات».

وتحدث كوخافي عن مُلابسات الاغتيال فقال: «نظراً للظروف التي نشأت، أوصينا بالمُستوى السياسي باغتياله، كانت هناك نافذة من الفرص التي استغلت بشكل جيد، وهكذا فعلنا. ليس لدينا نية للتصعيد، لكننا نستعد له ولأي سيناريو، لحماية الجو والبحر والبر، ونستعد لاستمرار الضربات التي انطلقت، وسننتقل أيضاً إلى الاغتيالات إذا كنا بحاجة لذلك».

والدة الشهيد بهاء

وعلقت والدة الشهيد بهاء أبو العطا، على استشهاد فلذة كبدها، بتوجيهها رسالة إلى فصائل ​المقاومة​، دعتهم فيها إلى مُواصلة درب الجهاد والمقاومة، قائلة: «أقول لسرايا القدس، أضربي بالصواريخ على تل أبيب، فإذا لم تضرب الصواريخ، أنا سأفجر نفسي في الاحتلال بحزام ناسف، ومن الصبح».

وتابعت الأم المفجوعة باستشهاد نجلها: «مثلما شرد بهاء، نتنياهو، على المُقاومة تدمير بيت نتنياهو، حيث يُوجد لبهاء صورة، وهو يشرد رئيس حكومة الاحتلال».

واعتبرت، وهي تودع الشهيد بهاء أنها «جريمة من جرائم الاحتلال، حيث تم استهدافه في داخل منزله وسط أطفاله، بطريقة غادرة، وإذا كان الاحتلال يريد ضربه، كان ضربه في ساحة المُقاومة، لذلك هذه جريمة من جرائم الاحتلال، ولا بد أن يُحاسب عليها».

وأشارت إلى أنه «كان دائماً مُقاوماً، ويعتمد على الله، لم يكن يخاف من أي شيء، وكان مُتواجداً في كل تصعيد، وفي كل وقت، ولم يكن ينام الليل إلا أن يكون على رأس المقاومة».

وأضافت: «لم يأتِ في بالنا أن يقصف الاحتلال الإسرائيلي، البيت بدون إنذار، بينما في حرب 2014 تم إبلاغنا، ماذا فعل بهاء، سوى أنه كان يُدافع عن بلده وأرضه».

ونعت «سرايا القدس» الشهيد بهاء أبو العطا، مُعلنة عن «قصف الخضير و«غوش دان» وجنوب تل أبيب بعدد من الصواريخ».

وجرى تشييع جثمان الشهيد بهاء وزوجته أسماء باكراً - ليتسنى للمقاومين الرد على الجريمة - بمُشاركة جماهير غفيرة، يتقدمهم قياديون من «حركة الجهاد»، على الرغم من التحليق المُستمر لطائرات الاحتلال.

حينما كانت تُسأل زوجة الشهيد بهاء، أسماء عن مشاعرها لو فقدت شريك عمرها شهيداً، كانت تُسارع إلى الاجابة: «حينما يستشهد بهاء لن أحزن، لأنني سأكون معه»، وتحققت أمنيتها بالشهادة معه.

وأعلنت ​القوى الوطنية​ والاسلامية الاضراب الشامل في قطاع غزة حداداً على روح الشهيد، باستثناء ​وزارة الصحة​، فيما علقت الدروس في ​الجامعات​ و​المدارس​.

وأدانت ​الرئاسة الفلسطينية​ التصعيد الإسرائيلي، مُحملة «حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة وتبعات تدهور الأوضاع في قطاع غزة، باستهدافها للمُواطنين والمُمتلكات»، ومُطالبة «المُجتمع الدولي بضرورة توفير الحماية العاجلة لأبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده».

فيما أكدت حركة «حماس» أنها «لن تسمح لجيش الاحتلال بالاستفراد بحركة الجهاد الاسلامي وجناحها العكسري سرايا القدس».