يبدو أن طبخة التكليف والتأليف وضعت على نار حامية، من دون ان يعني ذلك ان اللقاءات والمشاورات التي تجري خلف الستارة قد احرزت تقدماً في اتجاه إزاحة العقبات التي تعترض عملية استيراد صيغة توافقية حول الشخصية التي ستتولي ​رئاسة الحكومة​ العتيدة أولاً، ومن ثم شكل الحكومة.

وقد برز في ​الساعات​ الماضية دخول دولي قوي على خط محاولات تذليل العقبات، والحث على الإسراع في عملية تأليف الحكومة التي في اعتقاد أكثر من دبلوماسي أجنبي يجب ان تضم شخصيات كفوءة ويُشهد لها بالنزاهة وتحظى بقبول لدى النّاس.

ويأتي في مقدمة الدول التي تضع الملف ال​لبنان​ي الراهن تحت المجهر ​الدولة​ الفرنسية التي أوفدت بالأمس مدير دائرة ​الشرق الأوسط​ في ​الخارجية الفرنسية​ كريستوف فارنو بهدف لقاء المسؤولين اللبنانيين والاطلاع منهم عن كثب عن الأسباب الكامنة وراء التأخير في تأليف الحكومة، وكذلك لابراز القلق الفرنسي من تداعيات هذا التأخير على مجمل الواقع اللبناني.

وفي المعلومات ان الموفد الفرنسي لا يحمل في جعبته إلى لبنان أية مبادرة مكتملة الاوصاف تتعلق بالشأن الحكومي، وأن الخطوة الفرنسية هذه هي مبادرة تقوم بها ​فرنسا​ كلما كان في لبنان أزمة، والمميز فيها هذه المرة هو انها مبادرة دولية علنية، غير انها تأتي على مستوى ​وزارة الخارجية​ وليس على مستوى الرئاسة.

وإذا كان الموفد الفرنسي الذي كان يشغل سابقاً نائب رئيس شركة طومسون للسلاح، لا يحمل أي مشروع حل للأزمة الحكومية في لبنان، فإن مهمته وفق المعلومات تقتصر على استكشاف مدى القدرة على قيام حوار يؤدي إلى حل بين كل الأطراف المتصارعة، مشيرة إلى ان الموقف الفرنسي الذي سيبلغه السيّد فارنو لمن سيلتقيه من الشخصيات اللبنانية هو ان بلاده لن تتدخل في القرار اللبناني، وان ما يهمها ثلاثة أمور هي:

أولاً: إن ما يهم فرنسا هو تأليف حكومة سريعة ذات صفة تمثيلية ولا تتدخل فرنسا في تركيبة هذه الحكومة ونوعيتها، ولكن ترغب في ان لا تستثني الحكومة العتيدة الحالة اللبنانية ​الجديدة​.

ثانياً: إن هم فرنسا هو ان لا تطول ​الأزمة​ الحكومية في لبنان حتى لا يكون لها تداعيات اقتصادية ومالية، لأن لبنان في الأساس يعيش في وضع دقيق على المستوى النقدي والاقتصادي وإلا لما كان نظم ​مؤتمر​ «سيدر» من أجل تقديم يد العون له.

ثالثاً: على الحكومة الجديدة أياً كان نوعها استعادة ​سياسة النأي بالنفس​ عن الصراعات الدائرة في المنطقة لكي تتمكن من خلق وحدة داخلية، وهذه العناصر الثلاثة في تقدير الموفد الفرنسي إذا تأمنت ستجلب ال​مساعدات​ العربية والدولية التي هي حاضرة لكي تقدّم للبنان فور تأليف الحكومة.

ويبدو ان الموفد الفرنسي يحمل إلى المسؤولين اللبنانيين اخباراً مفادها ان ​الاتحاد الأوروبي​ وخاصة فرنسا و​ألمانيا​ هما على استعداد لتقديم مساعدات مالية إلى لبنان من خارج مؤتمر «سيدر» وانه سيجري مروحة من ​الاتصالات​ مع غالبية الأطراف اللبنانية المعنية بالمشكل والحل و​الحياة​ السياسية، كما انه سيتواصل مع شخصيات في الحراك التي اعتذر البعض فيها، ومنها جمعية «مدينتي» من منطلق ان هذه الجمعية هي جمعية سيادية ترفض التدخل الخارجي في شؤون الحراك.

وتلفت المعلومات إلى ان الموفد الفرنسي الذي لديه علاقات دولية ومهمة وداخل فرنسا سيؤكد للمسؤولين في لبنان على ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي الذي بدوره يؤمن الاستقرار الاقتصادي والنقدي، كما انه سيؤكد على ضرورة الاستماع إلى مطالب الشعب والعمل بكل جهد على تحقيقها لما فيه مصلحة في تأمين الاستقرار العام في البلاد.

في موازاة ذلك فإن مصادر سياسية تنقل عن لسان مشاركين أساسيين في الاتصالات الجارية لتأليف الحكومة ان الأفق ما زال مقفلاً امام الولوج في عملية ​تشكيل الحكومة​، وانه حتى لو حدّد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الشخصية التي ستوكل إليها مهمة تأليف هذه الحكومة فإن الوضع مازال معقداً ويبعث على المخاوف.

وفي تقدير هذه المصادر ان بحر هذا الأسبوع سيشهد اتصالات مكثفة على أكثر من صعيد في محاولة لإحداث خرق في جدار الأزمة يؤدي إلى ولادة حكومة لا تكون على شكل الحكومات السابقة التي تسببت بما نحن فيه اليوم على كافة الصعد، مشيرة إلى ان هناك أفكاراً وصيغاً كثيرة تطرح في سبيل بلوغ هذا الهدف، غير ان كل ذلك لم يصل بعد إلى حدّ يمكن معه القول اننا بتنا على مسافة قصيرة من تأليف الحكومة العتيدة.