أمس، قلنا أن العودة الى ضغط الشارع بات واردا جدا، وهكذا حصل. كان ​لبنان​ بالليلة الماضية يغلي على وقع التحركات في الشارع و​قطع الطرقات​ وإحراق الإطارات ورفع السواتر الترابية والبلوكات الإسمنتية، وجاء دم الشهيد علاء ابو فخر لصبّ الزيت على نار الشارع، وتحوّل محيط المدينة الرياضية في ​بيروت​ الى ساحة حرب بين ​الجيش اللبناني​ والمتظاهرين، وحاول متظاهرون في الجنوب وتحديدا في ​كفررمان​ وحبّوش إقفال الطرق وفشلوا.

من بيروت نبدأ، فعلى بُعد كيلومتر واحد من معارك الحجارة على المدينة الرياضية، تقع ​السفارة الكويتية​ التي تُعلن من مركزها عن دخول ​الضاحية الجنوبية​، ودخول الهدوء الحذر في الوقت نفسه، اذ تكشف مصادر متابعة أن "​​حزب الله​​ بدأ منذ أسبوع تقريبا اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في ​الضاحية الجنوبية​ تتمثل بدوريات ​سيارة​ تجوب المنطقة وآليات وسيارات رباعية الدفع متمركزة تحت الجسور وعلى بعض التقاطعات، وذلك تحسّباً لما يُخطط للبنان​"، مشيرة إلى أن "عناصر الحزب يتوزعون على ما يقارب الـ200 نقطة داخل الضاحية وهم يتحضّرون للبقاء مهما احتاج الأمر لضمان ​الأمن​ ولمنع أي مشروع يحضّر من الخارج".

وتضيف المصادر عبر "النشرة": "رؤية الحزب في موضوع الحراك واضحة، عزل الموضوع والمؤامرات الخارجية عن ما يحصل في الشارع هو سذاجة كما أن نسيان أوجاع الناس في الطرقات والتركيز على موضوع المؤامرة هو أيضاً سذاجة واستخفاف بآلامهم"، مشيرة إلى أن تاريخ 12 تشرين ثاني كان مفصليا لناحية تأكيد هذه الرؤية، رغم أن الممعن بالنظر جيدا كان سيدرك هذه الحقيقة من قبل.

من هنا، وبحسب المصادر يوجد ضرورة للتمييز بين الشارع المحزّب وبين الشارع المطلبي، وبين المعارك السياسية والمعارك المطلبية. بعد ورود العديد من التقارير والاتصالات داخلياً وخارجياً، بنى حزب الله صورة عما يحضّر للبنان والذي لا يُفصل عما يحصل في ​العراق​، وما يحصل في ​فلسطين​ من استهداف للجهاد الإسلامي وهو الفصيل المحسوب على ​ايران​ في فلسطين، فالمطلوب لي أذرع المقاومة في المنطقة، سواء بالاغتيال أو بالإخراج من ​السلطة​ أو بخلق الفوضى في البيئات الشعبية.

من هنا بدأ الحزب استعداداته لمواجهة أي مؤامرة خارجية اضافة لاستعداده لوأد الفتنة عبر خطوات عديدة قام بها في بعض المناطق، منها الضاحية حيث التركيز الأول لأنها المنطقة المفتوحة على محيط متعدد الانتماءات، إذ من جهة يحيطها ​مخيم شاتيلا​ وصبرا اضافة لمنطقة قصقص و​الطريق الجديدة​ (المعروفة الانتماء الحزبي)، ومن جهة أخرى يحيط الضاحية منطقة ​عين الرمانة​ (المحسوبة حزبيا على فريق معين)، وهذا الواقع الجغرافي يحتم على الحزب أخذ كل الاحتياطات لعدم السماح بأي اجراء يمكن ان يؤدي إلى تفلّت شارعه، وانتقال ما يجري في الشوارع الى داخل الضاحية، وبنفس الوقت منع صدام اهل الضاحية مع من هم خارجها لان في أحيان كثيرة يكون هذا الأمر هو الهدف الأول لكثيرين.

أما في الجنوب، وهو المنطقة التي تعتبر أكثر سهولة في عملية الضبط من الضاحية و​البقاع​ أيضاً، فإن الاجراءات موجودة لكن بطريقة أقل إلا أن الخوف هو على الطريق الدولية التي تربط بيروت بالجنوب أو بالبقاع، من هنا كانت التعاميم بالطلب من المحزبين بعدم سلوك هذه الطرقات الا للضرورة، والتواصل مع ​قيادة الجيش​ مرارا لاجل فتحها، نظرا لاهميتها لدى الفريق الشيعي.

كذلك في الجنوب، كان لافتا أمس بحسب ما علمت "النشرة" وجود قرار حزبي من الفريق الشيعي بمنع إقفال الطرق العامة، لأن ما يجري على صعيد لبنان لم يعد تعبيرا عن رأي بل بات حربا سياسية سقط فيها "الدمّ" وتقطيعا لأوصال الدولة، ولن يُسمح لاحد بنقل التجربة جنوبا، لذلك كانت المجموعات الحزبية قد انتشرت في نقاط محددة ومنعت أكثر من محاولة لإقفال الطرقات.

الى جانب الإجراءات الأمنية، هناك إجراءات "إعلامية" اتخذت بالتنسيق بين المكتب الإعلامي المركزي ل​حركة أمل​ والعلاقات الإعلامية في حزب الله، والهدف رفع مستوى التنسيق لمواجهة مخطط خارجي يهدف لزعزعة استقرار البيئة الشيعية الشعبية للفريقين.

بتنا أمام انقسام سياسي مجددا بين فريقي 8 و​14 آذار​، مع إضافة جديدة هي الحراك، ما يعني أننا بمواجهة سياسية مطلبية شارعية، ولا يمكن الوصول الى حلول دون "مخاض" صعب نمرّ به حاليا.