كشفت اجتماعات لجنة مناقشة دستور ​الجمهورية​ العربية السورية في جنيف عن انّ وفد ما يسمّى المعارضة لا تزال لديه أوهام بأنه يستطيع تحقيق ما عجزت عنه جيوش الإرهاب على مدى أكثر من ثماني سنوات، وكأنه في موقع المنتصر القادر على فرض تغيير هوية سورية العربية، وزرع بذور الفتنة والانقسام في الدستور، وتفكيك ​الدولة​ الوطنية السورية وتفتيت ​الشعب السوري​، على غرار ما حصل في ​العراق​، بعد فرض قانون الحاكم الأميركي بول بريمر، اثناء الاحتلال الأميركي، والذي فكك الدولة المركزية العراقية وأدخل بذرة الانقسام والطائفية في قلب الدستور على طريقة ما فعل المستعمر الفرنسي في ​لبنان​، مما أدّى إلى حالة دائمة من عدم الاستقرار والاضطراب السياسي واستمرار التدخل الاستعماري.. وظهر ذلك من خلال السعي الى طرح إدخال تعديلات على مواد ​الدستور السوري​ تشمل ثلاثة عناوين أساسية وجوهرية:

العنوان الأول: إلغاء هوية سورية العربية من خلال شطب كلمة العربية من اسم الجمهورية العربية السورية، بحيث يصبح الجمهورية السورية.

العنوان الثاني: نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى ​مجلس الوزراء​، ايّ تحويل النظام من نظام جمهوري إلى نظام برلماني تكون الصلاحيات التنفيذية منوطة بالسلطة التنفيذية، ما يجعل من رئيس البلاد مجرد رئيس فخري.

العنوان الثالث: الرهان، بعد تمرير هذين التعديلين، على سنّ قانون جديد للانتخابات يقوم على التمثيل الطائفي والذهبي والعرقي والاثني.

إذا كان العنوان الأخير لم يطرح في بداية جلسة النقاش الأولى إلا أنه سيكون، كما يتوهّمون، الخطوة المكملة للبندين الأول والثاني، في حال جرى تحقيقهما.

حصل ذلك على الرغم من معرفة، وفد ما يسمّى المعارضة، انّ ذلك مستحيل التحقق لأنّ ​القيادة​ السورية برئاسة الرئيس ​بشار الأسد​ ترفض ذلك رفضاً قاطعاً، فالرئيس الأسد أعلن بوضوح انّ الثوابت الوطنية خط أحمر.. وايّ اقتراحات لتعديل مواد في الدستور يمكن مناقشتها وتعديلها..

لكن ماذا يعني إصرار وفد ما يسمّى المعارضة على الاستمرار في مثل هذه الطروحات؟ والى ماذا ستنتهي اليه لجنة مناقشة الدستور في ظلّ هذا المنطق غير الواقعي والذي يتصرف الداعون اليه وكأنهم انتصروا وباتوا قادرين على فرض شروطهم وطموحاتهم التي لا تعدو كونها شروطاً وطموحات الدول الاستعمارية وفي مقدّمها المستعمر الأميركي..

اولاً: يكشف هذا الموقف انّ هذه القوى، التي تلبس لبوس المعارضة زيفاً، ليست في الحقيقة سوى استطالة للمستعمر الأميركي والمحتلّ التركي الأردوغاني، وصدى له تردّد ما يمليه عليها وما يجب أن تقوله في اجتماعات لجنة مناقشة الدستور، مع إدراكها انّ الظروف تبدّلت كلياً، وما كان في سنوات الحرب الإرهابية الكونية ممكناً بالنسبة لها أصبح اليوم مستحيلاً بعد انتصار الدولة الوطنية السورية، قيادة وجيشاً وشعباً، وبدعم من حلفائها، على أشرس حرب إرهابية، قادتها ​أميركا​، وقد باتت سورية اليوم على مقربة من تتويج انتصاراتها على هذه الحرب بانتصار نهائي يسدل الستار عليها…

ثانياً: يؤكد هذا الإصرار على الطروحات غير الواقعية، انّ من يشارك في النقاشات من هذه القوى او الشخصيات التي تسمّى نفسها معارضة. لا تسعى لتقديم ايّ شيء مفيد، وانها لا تريد سوى المشاكسة وإثارة الضجيج وإطلاق المواقف التي تثير الضوضاء للتعتيم على حقيقة رفضها ايّ حلول سياسية إيجابية تجعلها تقف في جبهة مكافحة ما تبقى من ​جماعات إرهابية​ في إدلب واستطراداً الدفاع عن سيادة واستقلال سورية في مجابهة جيوش الاحتلال الأميركية والتركية والصهيونية، الموجودة على الأرض السورية، والتي سعت ولا تزال الى مواصلة الرهان على الإطالة في عمر بقاء الإرهابيين لإبقاء سورية وحلفائها في حالة استنزاف وانشغال بعيداً عن مواجهة المشاريع الأميركية الصهيونية التركية…

ثالثاً: انّ هذه الجماعات المعارضة لا تريد تعديلاً للدستور، يحفظ هوية وعروبة ووحدة سورية وشعبها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية و​مكافحة الإرهاب​، كونها بالأصل لا تريد المشاركة في ​الانتخابات​ النيابية او الرئاسية في سورية على هذه القاعدة، لأنها تدرك انّ مشاركتها على هذا الأساس سيعني التسليم بالهزيمة من ناحية، وكشف حقيقتها على أنها لا تحظى بتمثيل شعبي حقيقي لدى الشعب السوري من ناحية ثانية، واخيراً لانّ الدول الاستعمارية تريدها ان تبقى تلعب دور الأداة التي تستخدمها للتحريض على الدولة الوطنية السورية ومواصلة تبرير التدخل في شؤونها الداخلية..

لذلك كله، فإنّ الرهان على اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في الوصول إلى نتائج إيجابية يبدو غير ممكن ولا أفق له.. والقيادة السورية التي تخوض هذا النقاش عبر وفد مدعوم من قبل الحكومة السورية تضع ذلك في حسابها، لكنها تريد أن تبرهن للعالم وللشعب السوري اولاً، انها لا تمانع في إيجاد الحلول السياسية شرط أن تحافظ على الثوابت الوطنية لسورية.. وانّ من يرفض ذلك هو ما يسمّى المعارضة.. ومن ورائها الدول الاستعمارية الغربية والتركية إلخ… مع معرفة ويقين بأنّ الحلّ السياسي الذي يحمي ثوابث سورية الوطنية العربية إنما يكمن في تحقيق النصر النهائي على ما تبقى من قوى إرهابية، وتحرير سورية من جيوش الاحتلال الأجنبية.