تظهر المشاورات القائمة، المعلن منها وغير المعلن، عن نجاح ​الحراك الشعبي​ في احداث حالة ارباك كبيرة لدى القوى الفاعلة على المستوى السياسي، تُرجمت في عودة الانقسام القائم، منذ العام 2005، بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار إلى الواجهة من جديد، بالرغم من نعيه في أكثر من مناسبة سابقة.

في المشهد العام السياسي، عاد الحديث عن إستهداف "​حزب الله​"، بناء على رغبات أميركية، من جانب قوى الثامن من آذار، في مقابل الإصرار على تشكيل حكومة تكنوقراط من قبل كل القوى والشخصيات التي تدور في قوى الرابع عشر من آذار، لكن ضمن هذا المشهد العام هناك الكثير من التفاصيل التي ينبغي التوقف عندها.

في هذا السياق، بات من الواضح أن الحراك الشعبي نجح في تبديل اللهجة التي كانت تتعامل بها مختلف القوى السياسية، التي تسعى اليوم إلى عدم إستفزازها، عبر الحديث عن ضرورة أن لا تضم ​الحكومة​ المقبلة شخصيات إستفزازية، في حال نجاح المفاوضات القائمة من أجل تشكيل حكومة تكنو سياسية، بالإضافة إلى طرح الكثير من المشاريع والإقتراحات التي تصب في خانة ​محاربة الفساد​، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة عبر "​النشرة​".

وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الواقع لا يمكن الإستهانة به على الإطلاق، حيث بات هناك قناعة حاسمة عند الجميع بأن ما قبل السابع عشر من تشرين الأول لن يكون كما بعده، وبالتالي لا يمكن تجاهل الشارع في أي طرح يقدم للخروج من ​الأزمة​ الراهنة، بدليل إنحسار الخيارات من الناحية العملية بين التكنوقراط والتكنوسياسية، في حين يستبعد خيار الحكومة السياسية، سواء كانت وحدة وطنية أو من لون واحد، بغض عن أن هناك قلة تعتبر أن مواجهة المرحلة المقبلة لا يمكن أن تكون من دون حكومة قوية، تحظى بدعم سياسي غير مسبوق.

بالتزامن، تشدد المصادر نفسها على ضرورة عدم تجاهل الدعوات إلى تمثيل الحراك في الحكومة المقبلة، خصوصاً أنها تصدر عن قوى سياسية فاعلة، بالرغم من أن شكل هذا التمثيل لم يتضح بعد، ما يعني أنه قد يكون مشكلة بحد ذاته، نظراً إلى أن الحراك لا يكل كتلة واحدة متضامنة في الموقف أو الرؤية، وبالتالي لا يمكن الرهان على أن هذا الخيار قد يؤدي إلى إرضاء جميع المجموعات الموجودة في الشارع، لا بل من الممكن أن يصار إلى تخوينها، كما هو الحال عند الحديث عن الإجتماع بأي منها من قبل أي جهة سياسية.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، هذا الواقع يقود إلى معادلة واضحة المعالم، الحراك نجح في إعادة الإنقسام السياسي إلى سابق عهده، بالرغم من كل الجهود القائمة إلى إعادة إحياء التسويات التي طغت على السنوات الأخيرة، منذ تكليف رئيس الحكومة السابق ​تمام سلام​ حتى إستقالة رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​، لكنه في المقابل لم يقدم أي مشروع جديد، يمكن من خلاله التعامل معه على المستوى السياسي، الأمر الذي تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً حول قدرته على الحشد والتجييش في حال التوصل إلى أيّ تسوية بين الأفرقاء السياسيين.

من وجهة نظر هذه المصادر، السبب الأساسي في هذا الأمر يعود إلى أن الحراك الحقيقي يتجنب الغوص في هذه التفاصيل، أو لم يتم إظهارها من الناحية الإعلامية بالشكل المطلوب، لأن هناك من يطرح عملياً الذهاب إلى تشكيل حكومة إنتقالية تتولى الإعداد ل​انتخابات​ نيابية مبكرة على أساس ​لبنان​ دائرة واحدة خارج القيد الطائفي، الأمر الذي تعتبره غير منطقي ولا يمكن الوصول إليه.

في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن هذا الواقع لن يتظهر في وقت قريب، إلا بحال الإتفاق على تشكيل حكومة بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، لأنه حينها ستضطر القوى السياسية الحاضرة في الحراك إلى الخروج من الشارع.