أَثبتت أَحداث الشَّارع المطلبيِّ منذ 17 تشرين الأَوَّل الماضي، وانغماس المُتعلِّمين فيه، وبروزهم عنصرًا فعَّالاً وديناميكيًّا... حقَّ الجيل الجديد –وبعضُه ضحيَّة تضليلٍ مُتعمَّد– في تكليف وزيرٍ للتَّربية في ​الحكومة​ ​الجديدة​ الموعودة، على قدر أَهل الحراك المطلبيِّ، وكذلك على قدر الكرام الطَّالبيِّ!.

فالمُتعلِّمون يطمحون إِلى تسمية وزير يُحاكي طُموحهم، ويعمل على تحقيق أَحلامهم، كما ويُريحهم من هواجس باتت تتحكَّم بهم، وتنغِّص عليهم نضارة أَيَّامهم!.

مهما كان شكل الوزارة: أَسياسيَّة أَم "تكنوقراط" أَم بين الاثنين... المهمُّ أَن يكون قد تعمَّد في نهر التَّربية، وتثبَّت في ثالوث "الحقِّ والخير والجمال"!. وأَن يكون بعيدًا عن السُّلوك الميليشياويِّ بُعْد الأَرض عن المرِّيخ... وأن يكون حائزًا على سجلٍّ عدليٍّ ممهورٍ بعبارة: لا تصرُّفات ميليشياويَّة محسوبة عليه!.

حاجة المُتعلَّمين

المُتعلِّمون يحتاجون إِلى وزيرٍ يُميِّز شهادة الـ“IB” عن شهادة التَّميُّز التِّقنيِّ، ولا يُطلب منه أَن يُحسن التَّمييز بين الـ"أَم 16" و"الكلاشنكوف"...

يحتاجون إِلى وزيرٍ لم يُطلق العنان لمُسلَّحيه، ولا يسمح لهم بأَن يغتنم هؤلاء المُناسبة لإِطلاق النَّار على المُحتجِّين في الشَّارع...

فمن حقِّ شباب ​لبنان​ وشابَّاته، أَن يكون وزيرهم تكنوقراطيًّا ولو كان الوحيد بهذه الصِّفة في التَّشكيلة الحُكوميَّة...

من حقِّهم على الدَّولة، أَن يتحلَّى الوزير العتيد ب​مهارات​ٍ عاليةٍ في فهم النَّصِّ المكتوب والمسموع، كما وفي تحليله...

ومن حقِّهم أَن ينكبَّ الوزير العليم في ​تفاصيل​ التَّربية، على العمل ليل نهار، لإِنجاز مناهج تربويَّةٍ حديثةٍ نادى بها المُتظاهرون بكلِّ وعيٍ وجديَّةٍ في ساحات المطالب. مناهج تقوم على القيم الإِنسانيَّة والوطنيَّة، وما أَحوجنا إِليها اليوم... مناهج تُحاكي لبنان الـ2010، لا أَن تتمخَّض وزارة التّربية كي تلد فأْرًا!.

كمنح تاج اليوم في لبنان، إِلى التَّربية على القيم، وكم أَهملناها حتَّى انكشف الانحطاط الخلقيُّ الَّذي نحن الآن في أَدنى دركاته!...

لقدأَثبت الحراك الشَّعبيُّ المُمتدُّ –مع الأَسف– على عشرات الأَيَّام حتَّى الآن، من دون رؤية بصيص أَملٍ في انتهاء النَّفق المُظلم، أَنَّ أَبناءَنا المُتعلِّمين لايمتلكون مهارات الإِصغاء، لابل إِنَّ من السَّهل تضليلهم والتَّغرير بهم، بدليل أَنَّهم يُؤْخَذون بتحريفٍ مقصودٍ في كلام رئيس البلاد، مُسلِّمين أَنفسهم بالكامل للتَّضليل، فيُشكِّلون بأَجسادهم وقودًا يُستَخدم لإِشعال النِّيران في الإِطارات المطَّاطيَّة القاتلة!.

حقُّ الرَّئيس

ومن حقِّ رئيس الجمهوريَّة العماد ​ميشال عون​ من جهته، أَن يسهر وزير التَّربية في الحُكومة الجديدة، على إِرساء أُسس "أَكاديميَّة الإِنسان للتَّلاقي والحِوار" الَّتي كان من المُفترض أَن تجوب مجلسي النُّوَّاب والوزراء، لتُضحي مسيرتها من مسؤوليَّة وزارة الخارجيَّة اللُّبنانيَّة وفق آليَّةٍ مُعيَّنةٍ... وحين يُصبح الاتِّفاق في شأْن "أَكاديميَّة الإِنسان للتَّلاقي والحوار" في صيغته النِّهائيَّة جاهزًا للتَّوقيع، يُعرض على ​مجلس الوزراء​ في لبنان، ومن ثمَّ يُحال إِلى مجلس النوَّاب الَّذي يجيز إِبرامه، ومن ثمَّ يوقِّعه لبنان والدُّول العشر. غير أَنَّ كلَّ هذه المحطَّات مُؤَجَّلة حتَّى إِشعار آخر!...

إِنَّ حقَّ الرَّئيس من حقِّ الشَّعب في إِعادة صورة لبنان الحضارة والتَّواصل، ومحو صورة قطع الطُّرق وبنيان الجدران الفاصلة بين الإِخوة في الوطن، وهي من مسؤوليَّات وزارة التَّربية أَيضًا!.

ومع يقيننا بأَنَّ لُبنان "بالمحبَّة نَبْنيه" وبالتَّربية والثَّقافة نعزِّزه، نُعوِّل في هذه المرحلة الحرجة والدَّقيقة الَّتي نُعاني مِنها جميعًا، على حُسن التَّمييز بين الحقوق والواجبات، والإِدراك أَنَّ حقوقنا تنتهي حين تمسُّ بحقوق غيرنا!.

فيا دولة رَّئيس الحكومة المُكلَّف المجهول حتَّى السَّاعة، وأَيًّا تكن، اختر مَن تشاء من الوزراء الجُدد، وسيِّس ما تشاء من المقاعد الوزاريَّة، ولكن اسمح لنا بوزيرٍ "تكنوقراط" للتَّربية، يكون من أَبناء المُعاناة في الرَّسالة التَّربويَّة. اسمحوا لنا بوزيرٍ يسهر على تعزيز القيم و"التَّربية المدنيَّة" في المناهج الرَّسميَّة، ويُرسِّخ مبدأ المُواطَنة في نفوس أَبنائنا، ويُزيل منها المشاهد الشَّاذَّة المرئيَّة في الفترة الأَخيرة، باعثًا فيها الأَمل في لبنان الوطن الَّذي لا عودة عنه، والَّذي يُحاكي أَحلامنا جميعًا!.