لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي بعيدة عن التحركات الشعبيّة في الشارع، لا سيما أنها المحرك الأساسي لها، بعد أن كانت الضرائب عليها بمثابة "القشّة التي قصمت ظهر البعير"، وهو ما ترجم منذ اليوم الأول تفاعلاً معها، سواء في الداخل اللبناني أو في الخارج.

هذا الواقع، ترجم انقساماً بين المؤيدين والمعارضين والمتردّدين من اللبنانيين، لا سيما مع حال الغموض التي تسيطر على المشهد السياسي برمّته، الأمر الذي لم يخلُ من التعليقات الساخرة التي برع بها اللبنانيون في الساعات الماضية، وهو ما ينطبق على تلك التي جاءت من البلدان العربيّة والأجنبيّة، التي كان بعضها مندهشاً من تجاوز اللبنانيين خلافاتهم السياسية والطائفيّة، في حين كان بعضهم الآخر خائفاً من سرقة "الثورة"، كما حصل في دول أخرى قريبة أو بعيدة.

ما تقدّم، لا يلغي أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت مسرحاً للكثير من الشائعات التي لم تتوقف، كما هو الحال مع أيّ حدث يجتاح الساحة اللبنانية، والتي تفاعل معها الناشطون على نحو كبير، بالرغم من أن بعضها كان بعيداً كل البعد عن الواقع، وبالتالي لا يمكن تصديقه بأيّ شكل من الأشكال.

في هذا السياق، برزت في الأيام الأولى صورة لأحد المتظاهرين قام بوضع حمّام سباحة مطاطي في وسط الشارع، في حين عمد البعض الآخر إلى إقامة حفل شواء على الطرقات، بينا كانت النرجيلة الحاضر الأبرز في مختلف الساحات، من دون تجاهل التعليقات الساخرة التي تناولت بعض السياسيين، لا سيما وزير الاتصالات في ​حكومة​ ​تصريف الأعمال​ ​محمد شقير​، الذي كان الاقتراح الذي تقدم به، حول فرض رسم على تطبيق ​الواتساب​، الشرارة التي أشعلت نار الاحتجاجات الشعبيّة.

إلى جانب المظاهر الساخرة في الشكل، لم تكن التعابير غائبة عن قائمة المطالب التي رفعها بعض المتظاهرين، كالذين كان يطالبون والداتهم بإرسال الزعتر لهم، أو الذين أردوا رفعهم لأنهم من قصار القامة والرؤية لديهم ليست واضحة، في حين أن طلبات ​الزواج​ لم تغِب عن اللوحات التي رفعها متظاهرون وم​تظاهرات​.

بالتزامن أراد بعض المحتجّين توجيه رسائل إلى العاملين في مجال الفلك والتوقعات، عبر الإصرار على أن يكون من ضمن الشخصيّات المطلوبة محاسبتها بعد انتصار "الثورة"، لأنّها كانت تعدهم في كل عام عند رأس ​السنة​ بأنّ عامهم المقبل سيكون أفضل، بينما الواقع هو عكس ذلك، في حين كانت اجتاحت صورة الفتيات الجميلات مواقع التواصل، حيث كان البعض يعلّق بأنه من أجلهنّ يجب أن يسقط ​الشرق الأوسط​ بكامله وليس فقط الحكومة اللبنانية.

إلى جانب بعض المطالب الساخرة ذات الطابع السياسي، كتلك التي طالبت بإسقاط رئيس الحكومة الجديد احترازًا، بغض النظر عن اسمه، بعد استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، رفع بعض المتظاهرين مطالب رياضيّة، كان أبرزها تلك التي تتناول لاعب نادي "ريال ​مدريد​" الاسباني كريم بنزيما، ومدرب نادي "برشلونة" الاسباني إرنستو فالفيردي، بالإضافة إلى رئيس نادي "الأنصار" اللبناني نبيل بدر، بسبب الاستثمارات التي قام بها بينما توقفت بطولة كرة القدم بسبب الأوضاع الراهنة.

في الأيام الماضية، سيطرت الدعوات إلى قرع الطناجر على قائمة التعليقات الساخرة التي ظهرت خلال ​الحراك الشعبي​، خصوصاً تلك التي تتناول موقف الأمّهات، الذين لا يسمحون لأبنائهم من الاقتراب منها عادة، بالإضافة إلى تلك التي تتناول ​المصارف​ بعد ​الأزمة​ التي شهدتها، لا سيما تلك التي كانت تنقل عنها بأن "المصاري بتروح وبتجي المهم الصحّة"، إلى جانب تلك التي تناولت تظاهرات طلاب المدارس، الذين اعتبروا من قبل الكثيرين أنهم الجيل الأفضل، بعد أن كانت النظرة لهم مختلفة.

​​​​​​​

على الرغم من الكثير من التعليقات والنكات الساخرة، التي كانت مصدر فرح إلى الكثير من اللبنانيين، بغض النظر عن موقفهم مما يحصل اليوم في الشارع، كانت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحاً لمعارك سياسيّة من العيار الثقيل، بالإضافة إلى ظواهر كانت معيبة، كتلك التي كانت تتناول الاعتداءات على المتظاهرين، عبر القول إنها من أجل مصلحتهم، في وقت كانت الظاهرة الأخطر تلك التي عرفت بـ"قبل السحسوح وبعد السحسوح".