توحي كل المؤشرات ان اسم الوزير السابق ​محمد الصفدي​ كان الفرصة الأخيرة لإعادة احياء التسوية الرئاسيّة، التي قادت إلى انتخاب ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية، نظراً إلى التوافق على ترشيحه لرئاسة الحكومة المقبلة بين رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ ورئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​.

بعد سقوط الاسم، نتيجة الرفض الشعبي له بالتزامن مع تنصّل الحريري من التعهدات التي كان قد قطعها على هذا الصعيد، بات من الواضح أن من الصعب الإتفاق على أيّ اسم آخر، نظراً إلى القناعة التي أصبحت لدى قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال، يناوِر من أجل العودة إلى رئاسة الحكومة من جديد، لكن وفقاً لشروط جديدة تُبنى على أساس طرح التكنوقراط.

ضمن هذا السياق، يحاول الكثيرون تصوير الأزمة الراهنة على أساس أنها أزمة نظام قام على أساس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية، لكن في حقيقة الأمر هي أزمة تسوية سياسية تحتاج إلى إعادة انضاج وفق شروط جديدة، بدليل عدم تبنّي معظم الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة في ​الحراك الشعبي​ الدعوات إلى إسقاط النظام، باستثناء تلك التي لديها توجهات تاريخية واضحة على هذا الصعيد.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم موقف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة، لناحية الإصرار على تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال ل​تشكيل الحكومة​ المقبلة، لكن مع فرض طرح الذهاب إلى حكومة تكنوقراط صرف، والدعوة إلى أن تكنوسياسية، نظراً إلى أن من غير المنطقي الإنقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، لا سيما أن الحريري نفسه هو رئيس تيار سياسي وكتلة نيابية، وبالتالي لا يمكن له أن يكون رئيساً لحكومة تكنوقراط.

في المقابل، تشير المصادر نفسها إلى أنه يمكن فهم موقف قوى الرابع عشر من آذار، التي ترى أن الفرصة سانحة أمامها للإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية السابقة، التي تعتبر أنها سقطت نتيجة الحراك الشعبي، وهو ما يدفعها إلى الإصرار على تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، خصوصاً أن أغلب أفرقاء هذه القوى لم يتأخروا في الإعلان عن الإلتحاق به، من دون التماهي مع كل مطالبه، خصوصاً تلك التي تعتبر أن الحريري جزءاً من المشكلة، وبالتالي لا يمكن أن يعود إلى رئاسة الحكومة من جديد.

على صعيد متصل، تؤكّد هذه المصادر الوجه الخارجي للأزمة الراهنة، الذي يتمثل برغبة الولايات المتّحدة في إخراج "​حزب الله​" من الحكومة، الأمر الذي ترى عدم امكانيّة تحقيقه من خارج الحراك الشعبي، نظراً إلى أنه في السياسة لا يمكن أن يطالب أي فريق سياسي بذلك، لكن من بوابة التكنوقراط يمكن الوصول إلى هذه النتيجة، لا سيما أن هذا المطلب يصور على أساس أنه مطلب المتظاهرين الأساسي، وتسأل: "هل فعلاً هذا هو ما يريده المتظاهرون، أيّ تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري"؟.

في الإطار نفسه، تكشف المصادر السياسية المطلعة أن الأزمة الحكومية باتت مغلقة في الوقت الراهن، حيث لا يمكن الحديث عن أيّ إنفراج في وقت قريب، نظراً إلى أن لا جديد على مستوى الإتّصالات السياسيّة، بعد سقوط اسم الصفدي، وتؤكد أنّ الأمور قد تكون ذاهبة إلى المزيد من التعقيد، بإنتظار الوصول إلى تسوية جديدة بين القوى السياسية الفاعلة، لا سيما أنها لا تزال المقرر الأول لهويّة رئيس الحكومة المكلّف، من دون تجاهل دور الحراك الشعبي المعنوي.

وتؤكد هذه المصادر عدم حصول أيّ مبادرة جديدة، بعد سقوط اسم الصفدي، لكنها تشير إلى أنه رغم اللهجة التصعيديّة في البيانات التي صدرت عن الحريري و"التيار الوطني الحر"، فإنّ الأبواب لم تُغلق بشكل نهائي أمام عودة المباحثات من جديد، خصوصاً أن الفرصة لا تزال سانحة لذلك.

في المحصلة، دخلت الأزمة الحكوميّة مرحلة جديدة، بعد سقوط اسم محمد الصفدي، من دون أن تظهر ملامح المرحلة المقبلة، في ظلّ تبادل الإتهامات بين الأفرقاء، في حين أن البعض بدأ يلوّح بورقة الإنتخابات النيابيّة المبكرة، إنطلاقاً من نتائج الإنتخابات التي شهدتها نقابة المحامين في بيروت.