فرضت تداعيات ​العدوان الإسرائيلي​ على قطاع غزّة نفسها بقُوّة على المنظومة السياسية في الكيان الإسرائيلي.

وسيدفع رئيس حكومة تصريف الأعمال في الكيان الإسرائيلي بنيامين ​نتنياهو​ ضريبة الدماء ال​فلسطين​ية الذكية والبريئة، التي هُدِرَتْ خلال عدوانه على القطاع، حاصدة 34 شهيداً وأكثر من 110 جرحى على مدى الأيام الثلاثة.

ويعيش نتنياهو أياماً عصيبة، لم يسبق له أنْ مرّ بمثلها من قبل، وتتمحور حول:

- الفشل بالترويج لوهم الانتصار، الذي أطلق عليه عملية "الحزام الأسود"، ، فاستخدمه خصومه السياسيون ضدّه، بإخفاقه في منع إطلاق صورايخ المُقاومة من قطاع غزّة، والتي أسمتها عملية "صيحة الفجر"، فتساقطت على المُدُن والمُستوطنات في فلسطين المُحتلّة.

- تقدُّم المُفاوضات بين الرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة ​بيني غانتس​ ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ​أفيغدور ليبرمان​، لجهة تشكيل حكومة انتقالية، مع ترقُّب استمرار دعم 10 نوّاب من "القائمة العربية المُشتركة"، التي لها مصلحة بالإطاحة بنتنياهو.

- ترقُّب إصدار المُستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، قراره الاتهامي في ملفات ​الفساد​ التي تُواجه نتنياهو، والمُتوقّع صدورها خلال الأيام القليلة المُقبلة.

- عدم تمسُّك الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بنتنياهو، بعدما بدأ يرى فيه عِبئاً ثقيلاً عليه، إثر فشله في تشكيل الحكومة، بُعيد الانتخابات السابقة التي جرت بتاريخ 9 نيسان 2019 - على الرغم من الهدايا الكبيرة التي أغدقها عليه، من الاعتراف بالقدس المُوحَّدة عاصمة للكيان الإسرائيلي، قبل نقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، وتتويج ذلك بالاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على ​هضبة الجولان​ السوري المُحتل - وانعكاس ذلك على فشل "​صفقة القرن​"، التي كان يعمل ترامب للإعلان عنها بعد تشكيل نتنياهو الحكومة الأولى، وتأجيلها إلى الثانية، لكنه فشل في كلتيهما.

لذلك، فإنّ أكثر من طرف أصبحت له مصلحة في تحريك الجمود داخل الكيان الإسرائيلي.

وتُعتبر ​الساعات​ الـ60 المُقبِلة هامّة جداً في الحياة السياسية داخل الكيان الإسرائيلي، حيث تنتهي المُهلة التي فوّض بها رئيس الكيان ​رؤوفين ريفلين​، غانتس تشكيل الحكومة، وعندها ستتم إعادة الأمر إلى "الكنيست" لتكليف أحد أعضائها، الذي يُمكنه جمع تواقيع 61 نائباً للتشكيل في مُهلة مُحدّدة بـ21 يوماً غير قابلة للتمديد، وإلا التوجُّه إلى انتخابات عامّة جديدة لـ"الكنيست" تكون الثالثة خلال أقل من عام.

مخاطر وتبعات إجراء انتخابات جديدة، هو ما يُحاول المسؤولون في الكيان الإسرائيلي تجنُّبه، نظراً إلى عدم ضمان نيل ذات مقاعد التمثيل من قِبل بعض الأحزاب، والتكاليف الباهظة التي تُرهِق مُوازنة الكيان، والتي تبلغ حوالى 1.6 مليار شيكل، ما يعني أنّ تكلفة الانتخابات الثلاثة مع الخسائر تناهز 7.5 مليارات شيكل.

وشهد يوم أمس (الأحد) سلسلة من اللقاءات كان محورها غانتس، لتأمين ضمان 61 صوتاً - أي بدعم ليبرمان و"القائمة المُشتركة"، على أمل انضمام أحزاب من "مُعسكر اليمين"، مُراهنة على تفكّكه بعد قرارات المُستشار القضائي ضد نتنياهو.

وأعلنت فِرق التفاوض من حزبي "أزرق أبيض" بزعامة غانتس و"إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان، أمس، الاتفاق على الأُسُس والخطوط العريضة لتشكيل حكومة جديدة في الكيان الإسرائيلي.

وأوضح الحزبان "إحراز تقدُّم حقيقي ومُهم جداً في المُفاوضات التي جرت بينهما، وتتعلّق بأساسيات الدين والدولة والقضايا العامّة سياسياً وأمنياً واقتصادياً".

ولم تتّضح صورة ما جرى الاتفاق عليه، إلا أنّ هذا الاتفاق يعني تشكيل حكومة يترأسها غانتس بمُشاركة أحزاب مُعسكر "اليسار - وسط": "العمل - غيشر" و"المعسكر الديمقراطي" ودعم "القائمة العربية المُشتركة" من الخارج، وستكون حكومة أقليّة، لكن تعني توجيه ضربة قاسية لنتنياهو.

وأعطى ليبرمان الضوء الأخضر لفريق التفاوض عن حزبه بالتوصُّل إلى اتفاق مع "أزرق أبيض"، حيث سيجتمع مُمثّلو الحزبين اليوم (الإثنين)، من أجل التوقيع على الخطوط العريضة للاتفاق.

وقال مسؤولون في تحالف "أزرق أبيض" "لم نُهمِل فكرة حكومة الوحدة الوطنية، لكن في الوقت نفسه نُشجِّع على إنشاء حكومة انتقالية بمُشاركة التحالف، و"العمل - غيشر" و"إسرائيل بيتنا". إذا تمَّ تشكيل مثل هذه الحكومة، فهي ليست سوى مرحلة مُؤقتة من المُفاوضات بهدف تشكيل حكومة أوسع بكثير".

ووجّه غانتس انتقادات شديدة اللهجة إلى نتنياهو، واتهمه بعرقلة مُحاولات تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة، وكتب على "فيسبوك": "لاحظتُ أنّك استعملتَ حالة طوارئ بسبب أنّ هناك احتمالات

لانتهاء حكمك قريباً، لكن، كلا، ​حالة الطوارئ​ هي مئات القذائف الصاروخية التي تُطلَق على مُواطني دولة إسرائيل".

وتابع غانتس في تغريدته: "نتنياهو، عليك أنْ تستوعب، سأفعل كل شيء لمنعك من جر المُواطنين إلى انتخابات للمرّة الثالثة، لقد قلت ذلك كل الوقت وأدعوك مرّة أخرى اليوم، تعال لتوجيه المُفاوضات دون شرط الحصانة، ودون كتلة اليمين، ودون أي حيل، فما نجح معك لمُدّة 10 سنوات لن يعمل بهذه المرحلة".

في المقابل، فإنّ نتنياهو واصل حملته ضد غانتس، مُتّهماً إياه بأنّه يعمل على تشكيل حكومة ضيقة تعتمد على أصوات نُوّاب من "القائمة المُشتركة".

وترأس نتنياهو الجلسة الحكومة الأسبوعية، مُعلناً "سوف نُهاجِم كل مَنْ يُحاول المساس بنا، ولقد حقّقت حملة الحزام الأسود أهدافها، وسياستنا الأمنية لم تتغيّر".

وادّعى نتنياهو، خلال ​الاتصالات​ الهاتفية التي أجراها مع وزراء عن حزب "الليكود"، أنّ "الحديث يدور عن حالة طارئة، لم تكن في تاريخ "دولة إسرائيل". هذه الانتخابات كارثة، لكن إنشاء حكومة تعتمد على الأحزاب العربية هو كارثة أكبر. إنّه خطر تاريخي على أمن إسرائيل. حتى لو كان من المعارضة".

وبين تهويل نتنياهو ومناورة غانتس، كتب ليبرمان تغريدة على "فيسبوك": "لقد وصلنا إلى اللحظة الحاسمة، الوقت يُوشِك على الانتهاء، ولا بُدَّ من إنهاء الأكاذيب والتلاعب".

وأضاف: "خلال الحملة الانتخابية، ومنذ إعلان النتائج، وعلى مدار 63 يوماً، عُدْتُ ودعوتُ نتنياهو وغانتس لتشكيل حكومة وحدة، تعكس إرادة الناخب. نتنياهو تجاهل كل طلباتنا بالتفاوض، مع غانتس التقينا، لكن على ما يبدو أنّ الأمور لديه ضيّقة وغير متينة".

وتابع ليبرمان: "هناك شيء واحد واضح، لقد قال الناخبون موقفهم في صناديق الاقتراع، الغالبية العظمى يُريدون حكومة وحدة وطنية بين الليكود وأزرق أبيض".

وأضاف: "الجميع يعرف ذلك، لكن ما يحول دون تشكيل حكومة وحدة وطنية وتجنّب انتخابات ثالثة، هو الـ"أنا" والمصالح الشخصية التي تضر بمُستقبل دولة إسرائيل".

وختم ليبرمان: "في هذا الوقت بالتحديد، نُواجه تحديات أمنية في ​الجنوب​ و​الشمال​، والشلل الاقتصادي وانهيار النظام الصحي، لذا أدعو مرّة أخرى نتنياهو وغانتس، لتحمُّل المسؤولية كقيادة قبل فوات الأوان".

فيما خاطب رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين كلاً من غانتس ونتنياهو بأنْ "يدعا خلافاتهما الشخصية جانباً، لأنّ الشعب لا يريد المزيد من الانتخابات".

في غضون ذلك، ما زالت المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، بعدوانه على قطاع غزّة، تُلقي بظلالها شجباً وإدانة دولية، وأيضاً المُفاجأة بحجم رد المُقاومة على المُغامرة الإسرائيلية، التي كان فيها العمود الفقري "​سرايا القدس​" ​الجناح​ العسكري لـ"حركة ​الجهاد الإسلامي​"، ردّاً على اغتيال قائد المنطقة الشمالية فيها بهاء أبو العطا (42 عاماً).

وكشفت التحقيقات عن أنّ سبب تواجد أبو العطا في منزله يوم شن العدوان الإسرائيلي، كان لمفاجأة ابنته ليان، بالاحتفال مع العائلة بعيد ميلاها العاشر، بعدما لم يكن قد شاهد أفراد عائلته منذ فترة طويلة، فكانت أعين عملاء "​الشاباك​" ترصده، قبل أنْ يُنفِّذ ​الطيران الحربي الإسرائيلي​ غارة عند الثالثة والنصف من فجر الثلاثاء في 12 تشرين الثاني الجاري، على منزله في منطقة المنطار - شرق حيّ الشجاعية - شرقي مدينة غزة، المُؤلّف من طابقين، ما أدى إلى استشهاده وزوجته أسماء، وجرح 4 من أبنائهما، هم: سليم، محمّد، ليان وفاطمة، وجارتهم حنان حلس، وتدمير المنزل وعدد من المباني المُجاورة.