يقول البعض إنّ الرئيس سعد الحريري سيتراجع عاجلاً أم آجلاً عن عزوفه ويقبل بتأليف حكومة تكنوـ سياسية، متحرّراً من ربقة ضغوط تُمارس عليه وتدعوه الآن الى الإصرار امام مفاوضيه على حكومة تكنوقراط، يعرف هو والضاغطون عليه، أن لا مكان لها في الحياة السياسية اللبنانية بعد «اتفاق الطائف» والدستور الذي انبثق منه.

فالحريري، يقول قطب سياسي، بإصراره على حكومة التكنوقراط شرطاً لقبوله تولّي الرئاسة الثالثة في هرم السلطة، انما يريد تحسين شروطه وحصّته في الحكومة التكنوسياسية الآتية مهما طالت الأزمة الحكومية السائدة ومعها الأزمة الاقتصادية والمالية، التي يتخوّف الجميع من تفاقمها في ظل حكومة تصريف الاعمال.

والحريري، يضيف هذا القطب، وبخلاف كل ما يُشاع من أنّه يرغب بالخروج من السلطة لحسابات سياسية وخاصة لديه، يهدف من كل ما يتخذه من مواقف معلنة ومضمرة، الى تمهيد الساحة لتكريس نفسه «ممثلاً وحيداً وحصرياً بلا منازع» للبيئة التي ينتمي اليها طائفياً وسياسياً، بدليل انّ احداً من رؤساء الحكومة السابقين أبدى او لمّح علناً الى رغبة لديه بخلافته في رئاسة الحكومة الجديدة، بل انّ هؤلاء الرؤساء (نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، تمام سلام) أصرّوا ويصرّون على تولّيه هذه المهمة في هذه المرحلة، ويؤكّدون استعدادهم لدعمه الى اقصى الحدود، وما حصل من تسمية حريرية للوزير السابق محمد الصفدي أدّت به بعد ساعات الى الإنسحاب سريعاً من حلبة الإستحقاق الحكومي، إنما كان لإستشعار الرجل ما لاقاه من رفض في اوساط المعنيين بالاستحقاق الحكومي قبل الحراك الشعبي.

وقد التحق الصفدي فوراً برِكَب الرؤساء الحكومة السابقين مؤيّداً تسمية الحريري، في الوقت الذي اعلن «الثنائي الشيعي» عبر بيان «الخليلين» اللذين خاضا المفاوضات مع الحريري، انّه ابلغ الى الأخير انّه يريده هو لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة وليس سواه، اقتناعاً منه (أي الثنائي) بأنّ الرجل هو الشخصية الاكثر تمثيلاً داخل بيئته، وبالتالي لا يجوز الذهاب الى تسمية شخصية أخرى قد تعتبرها بيئته وطائفته مستفزة لها، وانّ الآخرين انما يتحدّون بذلك إرادتها ويفرضون عليها رئيس الحكومة الذي يريدون، الامر الذي يُحدث اضطراباً كبيراً في البلاد لا تُحمد عقباه.

والحريري، يقول القطب نفسه، لم ينطق بعد بـ «كلمة سر» مرّرها الخارج له عشية اعلان إستقالته بعد ايام على انطلاق الحراك الشعبي الشهر المنصرم، وربما يكون الاميركيون تحديداً مصدر هذه الكلمة. فطوال الاجتماعات التي انعقدت في «بيت الوسط» وخارجه، لمس محدثو الحريري انّه يخفي شيئاً ما، ويتحاشى الكلام عن أي شيء يمكن ان يؤشّر الى طبيعة «كلمة السر» هذه، ولكن رشح انه لمّح الى بعض المعنيين الرئيسيين بالاستحقاق الحكومي الى انّ هناك «مشكلة في الموضوع الشيعي»، ما دلّ الى انّ الولايات المتحدة الاميركية وحلفاءها يضغطون في اتجاه استبعاد تمثيل «حزب الله» في الحكومة العتيدة، وذلك عبر الإصرار على تأليف حكومة من التكنوقراط، أي حكومة غير سياسية لا تضمّ الحزب ولا أي من القوى السياسية الأخرى، مع العلم انّ البعض يقول إنّ واشنطن «مقتنعة بشدة» بأنّ الحكومة اللبنانية لا يمكن ان تكون إلاّ سياسية او تكنوـ سياسية، فهي تدرك طبيعة الحياة السياسية في لبنان وفسيفسائه السياسية والطائفية والمذهبية الحساسة التي تفرض ان تكون حكوماته من طبيعة توافقية وليس من طبيعة اللون الواحد، التي لا يمكن ان تُؤلف إلاّ في ظل دولة احزاب لم تقم فيه بعد، علماً أنّ الاميركيين هم اكثر من يفهم معنى دولة الاحزاب لأنّهم يعيشونها في بلادهم من خلال انتخابات الرئاسة وانتخابات الكونغرس وحتى في الانتخابات البلدية.

الجميع يريدون الحريري رئيساً للحكومة العتيدة، يؤكّد القطب نفسه، ولكنه اذا ظلّ مصرّاً على رفض إعادة تكليفه، فإنّ المتمسكين به الآن سيكونون في هذه الحال في حلّ من هذا التمسّك المبني على أنه الأكثر تمثيلاً في بيئته، وعندها سيكون هناك خيار آخر، لأنّ اوراق المرشحين الآخرين للرئاسة الثالثة لم تُحرق كلها، فبعضها إحترق، بل أُحرِق، وخصوصا أوراق بعض رؤساء الحكومة السابقين الذين قوِّلوا وهم لم يقولوا إنّهم «رفضوا أو يرفضون الأمر او يتهيبونه نسبة للاوضاع المالية والاقتصادية المهدّدة بالانهيار».

ويكشف البعض، أنّه في مكان ما توجد غرفة تجمع بين من يشيعون أنّهم إختلفوا أو هم مختلفون، مهمتها حرق اي خيارات جديدة لرئاسة الحكومة. وقد نجحت في هذه المهمة الى حد ما حتى الآن، ولكنها قد لا تستطيع النجاح كلياً، لأنّ للخارج خياراته الخاصة التي يمكن ان يفرضها في اللحظة الاخيرة.

ولذلك، يقول القطب السياسي نفسه، انّ المواقف الراهنة لا تشي بحل قريب للاستحقاق الحكومي، في ظل تأكيد البعض انّ تكليف الحريري أو اي شخصية اخرى الآن إذا حصل، فإن تأليف الحكومة لن يُنجز قبل اربعة اشهر نظراً للتعقيدات الداخلية والخارجية السائدة، وكذلك نظراً للتطورات الاقليمية المتلاحقة، والتي تلقي بظلالها وانعكاساتها على مسار الاوضاع اللبنانية.

الاوضاع الاقتصادية والمالية التي تمرّ في مرحلة صعبة، يقول القطب، ولكن إمكانات معالجتها متوافرة إذا أحسن المعنيون اعتماد الوسائل الناجعة، علماً أنّ بعض المسؤولين المصرفيين والمؤسسات المصرفية تتحمّل ايضاً جزءاً من المسؤولية عمّا آلت اليه الأوضاع الإقتصادية والمالية وعليها أن تكون شريكة في المعالجة.