إستحوذ كلام ​السفير الاميركي​ السابق في ​لبنان​ ​جيفري فيلتمان​، حول «حزب الله» و​الحراك الشعبي​، على الاهتمام الأكبر، في سياق شهادته الأخيرة أمام ​الكونغرس​، إلّا أنّ هناك شقاً آخر لم يُسلّط عليه ​الضوء​ كفاية ويتعلّق بالانتقادات اللاذعة التي وجهها فيلتمان الى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير ​جبران باسيل​، ما يدفع الى التدقيق في ملف العلاقة بين ​واشنطن​ وباسيل.

إعتبر فيلتمان في شهادته أنّ «باسيل استغلّ القلق الصادق الذي تشعر به ​الولايات المتحدة​ ودول أخرى إزاء وضع المسيحيين في ​الشرق الاوسط​ لتحويل الانتباه عن فساده ودوره الشخصي في تمكين «حزب الله»، مشيراً الى أنّ «باسيل هو المخطط الأكثر مسؤولية عما وصل اليه «حزب الله» من إمكانية ادّعائه بأنه حركة وطنية عابرة للطوائف، وتظاهره بتجاوز أجندته الايرانية والطائفية الضيقة»، وقال إن «الحزب لم يعد مقيّداً بالحصة الشيعية في النسب الطائفية اللبنانية، لأنه بإمكانه ان يعتمد على نصيب «التيار الوطني» كذلك».

ولفت فيلتمان الى أنّ «باسيل أصبح تجسيداً لكل ما يثير غضب المتظاهرين في الساحات، في حين انّ خطابات عمّه (الرئيس عون) تعكس حالة شخص فاقد للاتصال مع المزاج الوطني العام، بما فيها الخطاب الذي يشير الى انّ الاشخاص غير الراضين عن الوضع الراهن في لبنان لديهم الحرية في الهجرة».

ولاحظ انّ «التحالف بين «التيار الحر» و«حزب الله» فرض قشرة من الغطاء المسيحي على الحزب ومَكّنه من توسيع نفوذه داخل المؤسسات الحكومية»، لينتهي الى الاستنتاج بأنّ المطلوب من اللبنانيين اغتنام الفرصة الانتخابية المقبلة لتجريد الحزب من حلفائه البرلمانيين.

يعكس موقف فيلتمان الحاد حيال باسيل حجم الضيق الاميركي من خيارات وزير الخارجية وسياساته، وبالتالي حجم الانزعاج من التموضع الاستراتيجي ل​رئيس الجمهورية​ الى جانب «حزب الله»، علماً أنّ فيلتمان قارب طريقة تصرّف عون مع ​التظاهرات​ بقسوة حين اتهمه بأنه فاقد للاتصال مع المزاج الوطني.

وإذا كان فيلتمان ليس جزءاً من ​الادارة الاميركية​ الحالية، إلا أنه وانطلاقاً من خبرته وموقعه في أحد أهم مراكز الابحاث (مؤسسة بروكينغز) يمثّل مصالح ​الدولة​ العميقة في الولايات المتحدة، ويؤشّر بشكل أو بآخر الى المزاج السائد في واشنطن، وهو على الارجح صاحب رأي مسموع في ما يتصل بالشأن اللبناني، استناداً الى تجربته الديبلوماسية خلال إحدى أصعب المراحل التي مر فيها لبنان بين عامي 2004 و2008.

وعلى الرغم من أنّ باسيل حاول عبر موقعه في ​وزارة الخارجية​ «ترطيب» علاقته بالولايات المتحدة وتدوير زوايا المسائل الخلافية معها، وعلى الرغم من أنّ بعض مواقفه وإطلالاته أزعجت حلفاء له ودفعت البعض الى اتهامه بمسايرة الاميركيين ومحاولة تسويق اسمه ل​رئاسة الجمهورية​ لديهم، غير أنّ ذلك كله لم «يشفع» له في واشنطن التي بقيت تنظر اليه بارتياب، وتلوّح من حين الى آخر بإمكان إدراج اسمه على لائحة العقوبات.

لم ينجح باسيل في إقناع الاميركيين بأنه يعتمد ​سياسة​ خارجية مستقلة ليست جزءاً من محور ضد آخر، وأنه كوزير معني بترجمة هذه ​السياسة​ إنما يقف على مسافة من «حزب الله» بمعزل عن التحالف الذي يربط التيار به. إزاء هذا الواقع، تساءل باسيل في مجلس خاص: لماذا يتصرف معي الاميركيون بهذه الطريقة، علماً انني أسعى الى ان اكون متوازناً في «الخارجية»؟ فأجابه أحد الحاضرين: ربما لأنهم لا يصدقوك. إبتسم باسيل، تاركاً الباب مفتوحاً أمام التأويلات.

وهناك في الأوساط الحليفة لـ«التيار الحر» من يلفت الى أنّ واشنطن لم تتجاوز بعد مفاعيل «الانقلاب السياسي» الذي نفّذه عون في 6 شباط 2006 بإبرامه التحالف الاستراتيجي مع «حزب الله»، «وهو ما عكسه فيلتمان في شهادته التي توسّع خلالها في شرح ​الآثار​ السياسية التي رتّبها هذا التحالف على التوازنات اللبنانية، وكيف أنه ساهم في تمدد الحزب داخل المؤسسات الحكومية واكتسابه حصانة عابرة للطوائف، الأمر الذي ألحق الضرر بمصالح الولايات المتحدة ووضع عون وتياره على لائحة الغضب الاميركي».

أكثر من ذلك، يعتبر المتحمسون لعون أنّ المشكلة الحقيقية هي أعمق جذوراً وتمتد الى ما قبل 2006 بكثير، «إذ انها تعود أساساً الى كون واشنطن لا تتحمل استقلالية «الجنرال» وقراره الحر، وليس أدل على ذلك من انها كانت شريكة مباشرة في هجوم 13 تشرين الذي أدى الى إخراج عون من ​قصر بعبدا​، فقط لأنه عارض آنذاك الصفقة الاميركية- السورية- ​السعودية​ التي أفضت الى فرض ​اتفاق الطائف​ بالقوة العسكرية.

أمّا طروحات فيلتمان الموجهة ضد باسيل، فإنّ مصدراً مسيحياً داعماً لـ«التيار الوطني» يلاحظ أنها تأتي ضمن سياق المشاركة في «شَيطنة» صورة وزير الخارجية، محذّراً من انها تستبطن تحريضاً عليه واستهدافاً للدور المسيحي الذي استعاد حضوره المتقدم في المعادلة اللبنانية.

ويعتبر المصدر انّ دعوة فيلتمان الى تجريد «حزب الله» من حلفائه، موجهة في الدرجة الاولى ضد «التيار الحر»، وهي ترمي الى الضغط عليه وإضعافه، «الأمر الذي من شأنه أن يشكّل تهديداً للحقوق التي استطاع ​المسيحيون​ استعادتها تباعاً منذ عودة عون الى لبنان، ومن أهمها ​المناصفة​ الحقيقية وترميم التوازن السياسي».

وينبّه المصدر الى انّ إضعاف قوة «التيار»، كما يتمنى فيلتمان، يرمي الى تحقيق هدفين:

الأول، فصل «التيار» عن «حزب الله» الذي سيصبح مكشوفاً على الصعيد المسيحي، وبالتالي شبه معزول، مع ما ترتّبه نظرية العزل عموماً من مخاطر كما تثبت التجارب اللبنانية.

الثاني، إسقاط الحاجز الايجابي الذي يمثله «التيار» بين ​السنة​ والشيعة، ما يعني زوال صمام الأمان وارتفاع أسهم الفتنة المذهبية من جديد.