ليس من شك ولو بسيط في ان التحرك الشعبي في الشارع دقّ اسفيناً كبيراً في العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المستقيل ​سعد الحريري​، وهذا ما ادى بالتالي الى بروز ازمة ثقة عميقة بين الرجلين قد يصعب حلّها في الآتي من الايام، ولو تم في المستقبل "ترقيع" المشكلة.

يسأل الكثيرون عن سبب استغراق عون كل هذا الوقت للاعلان عن تحديد موعد رسمي للاستشارات النيابية الملزمة، وقد تكون هذه الفترة الطويلة سابقة في ​تاريخ لبنان​ بعد سابقتين: المدة الزمنية الاطول التي اخذها انتخاب رئيس للجمهورية، وتلك التي استغرقت لتشكيل حكومة بعد تكليف شخص يرأسها، ولكن الجواب يتنوّع بين الموقف الرسمي والموقف غير الرسمي. في التصاريح العلنية، يقول عون وغيره ان السبب يعود الى عدم عرقلة مساعي رئيس الحكومة المكلّف اياً كانت هويته، وللاسراع في تشكيل حكومة متجانسة قادرة على العمل دون عوائق و"مطبّات" سياسية وغير سياسية. في المبدأ يعتبر هذا الكلام غير بعيد عن المنطق، ولكن فعلياً إنه كلام يراد به امر آخر، ففقدان الثقة بين عون والحريري ادى الى عدم تحديد موعد للاستشارات، والا فما الذي منع رئيس الجمهورية من رمي الكرة في ملعب النوّاب طالما انه ملزم تسمية الشخصية التي تريدها اكثريتهم بغض النظر عن وضعها وقدراتها، وهل بامكان عون او اي رئيس آخر للجمهورية فرض شخصية اخرى غير تلك التي يختارها النواب طالما ان الدستور الزمه اجراء استشارات نيابية لتكليف شخصية رئاسة الحكومة وتشكيلها؟. لا يرغب عون في تقديم اي هدية للحريري بعد الآن، وهو وان قبل انتظار المساعي والاتصالات والمشاورات مع رئيس ​تيار المستقبل​ والتي اجراها اكثر من طرف ومن بينهم ​حزب الله​، فإن من غير المقبول بالنسبة الى الرئيس اظهار ان الحريري قادر على التحكم بالموضوع السياسي في لبنان، لانّ اي فشل للشخصية المكلّفة ستجعل رئيس الحكومة المستقيل بمثابة "بطل" والمرجعية الاساسية التي لا يمكن للامور في لبنان ان تنتظم من دونها، وان لا بديل عنه في ترؤس الحكومات وتشكيلها.

في المقابل، لم تهدأ الاتصالات مع الخارج ايضاً لايجاد حلّ لهذه المعضلة، وهي رغبة داخليّة ودوليّة ايضاً، ليس فقط محبّة بلبنان، بل لتجنب مأزق جديد قد تتعرّض له الدول الاجنبيّة وفي مقدمها دول اوروبا، مع ما يعنيه ذلك من تعقيدات جسيمة على الصورة الرمادية اصلاً للاوضاع في المنطقة والقارة العجوز. ووفق المعلومات المتوافرة، فإنّ الاتجاه الدولي بات متقبلاً لفكرة بديل عن الحريري، ولا مشكلة في التعامل مع اي شخصية اخرى، شرط ان تكون قادرة على تحريك الاوضاع في لبنان، كما ان لا مشكلة لدى الدول الغربية في ان تبقى زعامة الحريري على الساحة، كغيرها من الزعامات، حتى ولو لم يكن رئيساً للحكومة. غير ان القلق لدى رئيس الحكومة المستقيل، يكمن في انه قد يبقى خارج السلطة طوال الفترة الباقية من عهد عون، ما يعني كسوف نجمه لهذه الفترة من الوقت، وهو من المؤكد، سيعمل من اجل استغلال الموضوع للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة ليعود بقوّة اكبر وعزم اقوى.

ووفق هذا المنطق، فإن الحريري كان السبب الرئيسي في تأخير ​الاستشارات النيابية​، ليس فقط بسبب ما تردد عن عدم اتخاذه القرار الحاسم بالمشاركة او الانسحاب، انما ايضاً ما قيل عن عرقلة الاسماء المطروحة لاستبداله وهو امر كان لا بد ان ينتهي لان تأخير فترة الاستشارات لفترة اطول، ينعكس سلباً على عون بالدرجة الاولى ويؤدّي الى النتيجة نفسها التي حاول الرئيس تجنّبها، بحيث تستمر الحكومة المستقيلة ورئيسها في تصريف الاعمال اياً تكن الفترة التي سيتّخذها رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة العتيدة او الاعتذار عن ذلك.