ما دام رئيس ​الحكومة​ المستقيل ​سعد الحريري​ أعلن رفضه ترؤس الحكومة المقبلة، وبما أن الحريري قد أضاع 40 يوماً تقريباً من عمر البلد وهو في موت سريري، وبما أن الحريرية السياسية قد أوصلت البلد على مدى السنوات الماضية إلى هذا الوضع المزري، وها نحن نرى لبنان اليوم قد وصل بسبب هذه السياسات إلى القعر، وبات اللبناني أمام مشاكل اجتماعية واقتصاديّة لم نرَ مثيلاً لها، وفي ظل مشاكل أمنيّة في الشارع أضحت شبه يوميّة، ما الداعي لاستمرار المراوحة وعدم تسمية شخصيّة سنّية تشكل حكومة ترعى شؤون الناس وتحافظ على ما تبقى لهم من فرصة لحياة كريمة؟ وماذا تنتظر بعبدا لاتخاذ خطوات جريئة تقنع بها اللبنانيين للسير بالخيارات الأمثل للبنان، والتي يجب أن تبدأ بالاستشارات؟.

يقولون أن تأخير الاستشارات سببه الخوف على الاقتصاد والبلد، فها هو الاقتصاد يسقط، والبلد يضيع، وإن كان الخوف من المشاكل في الشارع فها هي المتاريس ترتفع بين المناطق، وبات سكان بلدة يرفضون تقبّل جيرانهم، وسكان شارع يحقدون على أبناء الشارع المقابل، ولم تبقَ مدينة الاّ وحصلت فيها المشاكل، لمَ الاستمرار في تأخير الحلول؟!.

قد يكون صحيحا أن الدستور لا يحدّد مهلة زمنيّة ملزمة لرئيس الجمهورية لإجراء استشارات نيابيّة لتكليف شخصيّة لرئاسة الحكومة، كما أنه لا يحدد لرئيس الحكومة المكلّف مهلة زمنية للقيام بالتأليف، لكن هناك مهل تمليها أوجاع الناس وضمائر المسؤولين إن وجدت.

رئيس الجمهورية هو المسؤول الوحيد الذي أقسم على حماية الدستور وصون البلاد. وبالتالي فإنه المسؤول الأول أمام الله واللبنانيين والقانون عن حماية هذا البلد من السقوط، فهل يُدرك المعنيون في قصر بعبدا أين أصبح الوضع في لبنان اليوم؟!.

سرّبت مصادر القصر الجمهوري أمس أن رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ بصدد الدعوة لإجراء ​الاستشارات النيابية​ الملزمة يوم الخميس، وبعدها بوقت قصير سرّبت المصادر نفسها أن الاستشارات قد تؤجل لعدم جهوزية بعض النواب، ولكن الحقيقة كانت أن الكتل النيابية الكبرى لا تملك إسماً مرشحاً لتشكيل حكومة، ورئيس الجمهورية لا يزال يأمل بإقناع سعد الحريري بالعودة الى حكومة جديدة.

في بعبدا لا يزال رئيس الجمهورية يرى بالحريري ممثلا للقوّة السنيّة الوازنة وعليه مسؤولية لتسهيل عملية التكليف والتأليف، معتبرا أن الحريري إشترط ​حكومة تكنوقراط​ للقبول بالتكليف، ولكنه بالمقابلة لم يمانع حكومة تكنوسياسية برئاسة شخصيّة مقترحة منه أو تحظى بتأييده، وبالتالي عليه ترجمة هذا التأييد سريعاً وبمصداقيّة للبدء بالاستشارات، خصوصا وأن ​تيار المستقبل​ رغم كل شيء يبقى صاحب الكتلة السنّية الأكبر في المجلس النيابي، ما يعني حكما اعتباره ركناً من أركان التشاور السياسي القائم قبل الاستشارات.

لم تنفِ بعبدا حصول تفاهم سياسي على شكل الحكومة القادمة وتركيبتها ومواصفات رئيسها، لا بل أكثر من ذلك تحدثت عن اتفاق على إسم الرئيس المكلف أكثر من مرة، ولكنها كانت تصطدم دائما بعقبات الحريري نفسه، علماً أن ​التيار الوطني الحر​ كان ولا يزال مرناً ومنفتحاً في موضوع الأسماء ووافق على العديد منها ولكنه لن يدخل في لعبة حرق الأسماء كما هو حاصل، للعودة كل مرة الى المربع الأول.

حسنا، كل ما سبق ذكره هو أمور واقعيّة، ولكن أين المواطن من كل هذه المعارك السياسية، ومتى يُصبح هذا المواطن بنداً رئيسياً على طاولة البحث؟.

يُقال أيضا أن عدم الإتفاق على إسم رئيس الحكومة المقبل وشكل الحكومة قبل الاستشارات النيابيّة يعني الدخول في أزمة طويلة، فهل نحن الآن نعيش أزمة أم لا، ومن قال أن المواطن يُمكن أن يتحمّل كل هذا الضغط، بينما المسؤوليّة في اتخاذ القرارات ليست بيده، بل بيد المسؤولين، ولأن رئيس الجمهورية شريك دستوري فاعل ‏‏في عمليّة تأليف الحكومة، ولأنه الحريص على الدستور، ولأنّ الدعوة الى استشارات نيابيّة هي من صلاحياته، ولأن العهد عهده، والأكثرية النيابية الى جانبه نتوجه إليه بهذه الأسئلة. الى متى الانتظار ومتى يحين موعد اتخاذ القرارات الجريئة؟!.

فخامة الرئيس، ​الشعب اللبناني​ بانتظار قرار جريء منك ينقذه من أزمته، يعيد تفعيل المؤسسات ويحمي الدستور... وأنت صاحب القرار.