كان يُفترض أن تحصل الإستشارات المُلزمة أمس الخميس – كما تردّد في وقت سابق، قبل أن يتمّ إرجاء موعدها مُجدّدًا، على الرغم من توسّع حجم المشاكل الإقتصاديّة والمالية التي تضرب بعنف مُختلف القطاعات في ​لبنان​. فما هي الأسباب وراء هذا التأخير الجديد، حتى بعد أن أعلن رئيس حُكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​، عدم رغبته بأنّ يُسمّى لرئاسة الحُكومة المُقبلة؟.

على الرغم من كل الكلام الذي تردّد إعلاميًا خلال الأسابيع القليلة الماضية، عن إستعدادات رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​، والفريق الذي يقف خلفه، والذي يضمّ "الثُنائي الشيعي" وبعض أحزاب قوى "​8 آذار​"، إضافة إلى "التيّار الوطني الحُر"-بطبيعة الحال، لتشكيل "​حكومة​ من لون واحد" في حال أصرّ رئيس حُكومة تصريف الأعمال، على التنحّي عن السُلطة، فإنّ موعد الإستشارات النيابيّة لم يتحدّد بعد–حتى تاريخه، وبالتالي لا تزال الأمور مَفتوحة على كل الإحتمالات. وأسباب هذا التردّد مُتعدّدة، وأبرزها:

أوّلاً: يعتبر الفريق الداعم لرئيس الجُمهوريّة أنّ الحريري هو الشخصيّة الأنسب لرئاسة الحُكومة لأسباب عدّة، أهمّها الإستحصال على ​القروض​ المَوعودة من "مُؤتمر سيدر"، وتأمين غطاء عربي ودَولي للحُكومة ولعملها في هذا الظرف الدقيق الذي يحتاج فيه لبنان لمُطلق أي مُساعدة خارجيّة، وكذلك تأمين التوازن السياسي الداخلي، وقطع الطريق على الكثير من الجهّات التي تنتظر الفرصة لإتهام الحُكومة المُقبلة بأنّها حُكومة "اللون الواحد" وحُكومة "​حزب الله​". والأهمّ ممّا سبق، يعتبر الفريق المَذكور أنّ الحريري-بما يُمثّله من قوى ومن نهج على مدى سنوات طويلة، مسؤول بدرجة كبيرة عمّا آلت إليه الأوضاع في لبنان، ومن غير المَنطقي بالتالي خروجه من الحُكم بهذه البساطة، ورمي كُرة النار على سواه، من دون حتى إبداء الإستعداد للمُشاركة في مُحاولات إنقاذ ما يُمكن إنقاذه.

ثانيًا: بعد رفض رئيس "تيّار المُستقبل" التراجع عن شروطه ليعود رئيسًا للحُكومة، لجهة أن تكون حُكومة إختصاصيّين، وخالية من السياسيّين، لا سيّما المُصنّفين "إستفزازيّين" منهم، حاول الفريق الداعم لرئيس الجُمهوريّة، التوافق مع الحريري على شخصيّة أخرى لرئاسة الحُكومة المُقبلة، على أن تحصل على مُباركته وعلى دعمه المَعنوي والسياسي. لكنّ كل الأسماء التي طُرحت حتى تاريخه، جرى حرق ورقتها سريعًا، إلى درجة كثر معها كلام خُصوم الحريري بأنّ هذا الأخير يتعمّد إغلاق الطريق على أيّ خيار رديف، ليتمّ طرح إسمه من جديد، بعد المُوافقة على نسبة أكبر من شروطه، وكذلك بأنّ الحريري يرفض أن يُغطّي أي شخصيّة سواه، تنفيذًا لإملاءات خارجيّة في هذا الصدد، وإنتقامًا لما آلت إليه الأمور على مُستوى "التسوية الرئاسيّة" التي كانت قد تضمّنت تفاهمات غير مَكتوبة، قضت ببقائه رئيسًا لكل حُكومات عهد الرئيس العماد عون. إشارة إلى أنّه من بين شروط الحريري لتغطية أي شخصيّة سواه–بحسب المَعلومات المُتداولة، التمثّل في الحُكومة المُقبلة بوزارة حسّاسة، والحُصول على تعهّدات بعدم إستبدال مجموعة من الشخصيّات العسكريّة والإقتصاديّة والسياسيّة الحالية، وتركها في مناصبها.

ثالثًا: إنّ الشخصيّات السنّية التي يُطرح إسمها لتولّي رئاسة الحُكومة، والتي تُعتبر على مسافة واحدة من الجميع أو أقرب إلى "تيّار المُستقبل" منه إلى خُصومه على الساحة الداخليّة، باتت تشترط بدورها أن تحظى بدعم معنوي واضح وعلني من جانب كلّ من الحريري و​دار الفتوى​ ورؤساء الحُكومات السابقين، للمُوافقة على تولّي المنصب. أمّا الشخصيّات المُستعدّة لرئاسة الحُكومة من دون هذا الغطاء السياسي–الديني، فهي مَحسوبة على محور "8 آذار"، وإختيارها يعني تبنّي خيار "حُكومة المُواجهة"، وهو "سيناريو" لا يزال مؤجّلاً من جانب الفريق الداعم لرئيس الجُمهوريّة–أقلّه حتى اليوم.

رابعًا: إنّ المُوفدين العرب والغربيّين الذين زاروا لبنان خلال ​الساعات​ والأيّام القليلة الماضية، ربطوا إستعدادهم للمُساعدة بشروط عدّة، منها ما هو مُرتبط بالإستجابة لمطالب الناس الغاضبة في الشارع، ومنها ما هو مُرتبط بالحفاظ على الإستقرار وعلى التوازنات السياسيّة داخل لبنان، الأمر الذي ضيّق أكثر فأكثر هامش المُناورة المُتاح على خطّ تشكيل الحُكومة، في حال عدم الرغبة بمُواجهة المُجتمع الدولي عبر حُكومة "أمر واقع" لا تستجيب لهذه المعايير.

وبالتالي، إنطلاقًا من كل ما سبق، وما لم يُقرّر فريق رئيس الجُمهوريّة خوض غمار تأليف حُكومة من صُفوفه بالكامل، ومن دون غطاء رئيس "تيّار المُستقبل"، أو ما لم يُقرّر رئيس حكومة تصريف الأعمال منح الغطاء لإحدى الشخصيّات السنيّة الأخرى لرئاسة الحُكومة، أو ربّما المُوافقة على هذه المهمّة مُجدّدًا في حال جرت الإستجابة للمزيد من مطالبه، فإنّ الأمور مُرشّحة للدوران في الحلقة المُفرغة لمزيد من الوقت، مع ما يعنيه هذا الأمر من أضرار مُدمّرة إضافية على لبنان وعلى اللبنانيّين!.